للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكلام يحمل على الحقيقة على ما هو الأصل ولو لم يكن قرائن الحقيقة، فكيف إذا تظافرت القرائن الموجبة لحمله على الحقيقة.

وإلا لكان هذا مستلزماً لإفساد نظام اللغة وإبطال التفاهم بين الناس وقلب الحقائق وتبديل الشرائع وهذا هو هدف الباطنية.

وإليك أيها القارئ الكريم نصوصاً لبعض كبار الأئمة الذين يعترف الماتريدية بفضلهم لتكون شاهدةً لما قلنا وحجةً قاهرة باهرةً على الماتريدية:

١ - قال الإمام أبو الحسن الأشعري (٣٢٤هـ) بعد ما ذكر أدلة كثيرة على إثبات اليدين لله تعالى:

" ... ولا يجوز في لسان العرب ولا في عادة أهل الخطاب أن يقول القائل: "عملت كذا بيدي" ويعنى به النعمة، وإذا كان الله عز وجل إنما خاطب العرب بلغتها وما يجري مفهوما في كلامها، ومعقولاً في خطابها وكان لا يجوز في خطاب أهل اللسان أن يقول القائل: "فعلت بيدي" ويعني به النعمة - بطل أن يكون معنى قوله تعالى: بِيَدَيَّ النعمة.

وذلك أنه لا يجوز أن يقول: القائل: "لي عليه يدي" بمعنى لي عليه نعمتي"، ومن دفاعنا عن استعمال اللغة، ولم يرجع إلى أهل اللسان فيها - دوفع عن أن تكون "اليد" بمعنى "النعمة"، إذ كان لا يمكن أن يتعلق في أن "اليد" "النعمة" إلا من جهة اللغة، فإذا دفع اللغة لزمه أن لا يفسر القرآن من جهتها، وأن لا يثبت "اليد" "نعمة" من قبلها، لأنه إن روجع في تفسير قوله تعالى: بِيَدَيَّ بنعمتي؛ فليس المسلمون على ما ادعى متفقين، وإن روجع إلى اللغة فليس في اللغة أن يقول القائل: "بيديّ" "نعمتيّ"، وإن لجأ إلى وجه ثالث وسألناه عنه، ولن يجد له سبيلاً ... " (١).

قلت: قد تقدم مراراً أن الحنفية ومنهم الكوثرية ذكروا الإمام الأشعري في عداد الحنفية فلا أدري ماذا يصنعون به على يرمونه بالوثنية والتجسيم والتشبيه؟؟!!.٢ - الإمام القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني (٤٠٣هـ) الذي يعظمه الكوثري بأنه لسان الأمة وسيف السنة، وأنه لا يوجد في كلامه مجازاةٌ للحشوية وإيهام التجسيم والتشبيه، بل هو من الصرحاء في التنزيه البات (٢).

فقد ذكر تأويلات الجهمية وتحريفاتهم لصفة "اليدين" ثم قال: "يقال لهم: هذا باطل لأن قوله "بيدي" يقتضي إثبات اليدين هما صفة له فلو كان المراد بها القدرة لوجب أن يكون له قدرتان.

وأنتم لا تزعمون أن لله سبحانه قدرة واحدة فكيف يجوز أن تثبتوا له قدرتين؟؟

وقد أجمع المسلمون من مثبتي الصفات والنافين لها على أنه لا يجوز أن يكون له تعالى قدرتان فبطل ما قلتم.

وكذلك لا يجوز أن يكون الله تعالى خلق آدم بنعمتين، لأن نعم الله تعالى على آدم وعلى غيره لا تحصى.

ولأن القائل: لا يجوز له - أن يقول: رفعت الشيء بيدي أو وضعته بيدي أو توليته بيدي وهو يعني "نعمته".

وكذلك لا يجوز أن يقال: "لي عند فلان يدان" يعني "النعمتين" وإنما يقال: "لي عنده يدان بيضاوان"، لأن القول: "يد" لا يستعمل إلا في اليد التي هي صفة للذات.

ويدل على فساد تأويلهم أيضاً أنه لو كان الأمر على ما قالوه، لم يغفل عن ذلك إبليس وعن أن يقول: "وأي فضل لآدم عليّ يقتضي أن أسجد له؟ وأنا أيضاً بيدك خلقتني التي هي قدرتك، وبنعمتك خلقتني. وفي العلم بأن الله تعالى فضل آدم عليه بخلقه بيديه دليل على فساد ما قالوه" (٣).


(١) ((الإبانة)) (٢/ ١٢٥ - ١٢٨)، تحقيق الدكتورة فوقية و (ص ٩٧ - ٩٩)، تحقيق الأرناؤوط طبعة دار البيان، و (ص ١٣١ - ١٣٢)، طبعة الجامعة الإسلامية.
(٢) انظر ((مقدمة الكوثري)) للإنصاف للباقلاني (ص ٨، ١١)
(٣) ((التمهيد)) للباقلاني (ص ٢٥٨ - ٢٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>