للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالوا: إنما سِمّى موسى عليه السلام "كليم الله" لأنه سمع صوتاً دلاً على كلام الله بدون واسطة الملك. وتقدم الكلام على هذا.١٢ - وبهذا تبين فساد زعم العلامة الآلوسي أن الماتريدي يرى أن موسى عليه السلام - سمع كلام الله بحرف وصوت (١) لأن الماتريدي والماتريدية لا يجوزون حرفاً، ولا صوتاً في كلام الله ولا سماعه. ولذا ذكر الإمام ابن أبي العز: أن أبا منصور الماتريدي يرى أن كلامه تعالى يتضمن معنى قائماً بذاته هو ما خلقه في غيره (٢).

١٣ - وإذا قرروا القول بخلق القرآن.

قالوا بخلق أسماء الله الحسنى بطبيعة الحال. وتقدم ذلك أيضاً.

١٤ - وإذا قرروا ما سبق.

فطبيعة الحال لا يثبتون لله تعالى صفة "التكليم" ولا صفة "التكلّم" ولا صفة "النداء" ولا صفة "الصوت" بالمعاني المتعارفة الحقيقية المتبادرة إلى الإذهان السليمة بل لابد لهم من أن يحرفوا نصوصها إلى "الكلام النفسي".

١٥ - الحاصل: أن موقف الماتريدية من صفة "كلام" الله تعالى مركب من إلحاد على إلحاد وبدعة على بدعة، وتعطيل على تعطيل.

وكانت الجهمية الأولى اكتفوا ببدعة واحدة وهي بدعة القول بخلق القرآن.

١٦ - ولكن الماتريدية جمعوا بينها وبين بدعة أخرى وهو القول بالكلام النفسي.

١٧ - وارتكبوا مع جمعهم بين هاتين البدعتين الشنيعتين شناعة وفظاعة أخرى وهي تحريف نصوص الكتاب والسنة بل تصريحات سلف هذه الأمة وأئمة السنة إلى بدعة "الكلام النفسي".

١٨ - وامتازت الماتريدية عن خلطائهم الأشعرية ببدعة رابعة وهي بدعة القول بعدم جواز سماع كلام الله تعالى.

١٩ - ولهم ميزة أخرى لا توجد عند عامة زملائهم الأشعرية وهي أنهم أصرح وأجهر بالقول بخلق القرآن، فقد تقدم أن القرآن عندهم قرآنان:

قرآن بمعنى الكلام النفسي، فهذه صفة لله تعالى غير مخلوقة. وقرآن بمعنى الكلام اللفظي فمعنى كونه كلام الله أنه تصنيف لله ومخلوق له مباشرة بدون واسطة.

ومعنى كون موسى كليم الله أنه سمع صوتاً مخلوقاً بلا واسطة الملك أما بقية الأنبياء فهم سمعوا الأصوات المخلوقة بالواسطة. أما الأشعرية، فربما تعلوهم الحشمة وتأخذهم التقية ويمنعهم الحياء من الجهر بالقول بخلق القرآن فاكتفوا بالقول بخلق القرآن في مقام التعليم ليجعلوا أطفالهم وتلاميذهم أشعرية جهمية (٣).

أما الماتريدية فلا يبالون بمقام التعليم ليجعلوا أطفالهم وطلابهم ماتريدية جهمية بلا حشمة ولا تقية ولا حياء.

٢٠ - فهم أولى بالجهمية الأولى وأبعد من الإمام أبي حنيفة وأصحابه القدامى وغيرهم من أهل السنة في هذا الباب.

كيف لا وغالب أئمة الجهمية كانوا من الحنفية بشهادة الإمام أحمد واعتراف الكوثري، وفيهم أمثال إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة (٢١٢هـ) الكذاب البهات على أبيه وجده وبشر المريسي (٢٢٨هـ) رافع لواء الجهم بعده، وإمام المريسية.

وابن شجاع البلخي (٢٦٦هـ) الوضاع الأفاك الذي فعل الأفاعيل وارتكب الأباطيل.

وابن سينا القرمطي (٤٢٨هـ) وعلى آخرهم الكوثري (١٣٧١هـ).

ومن سايره من الكوثرية وبعض الديوبندية.

وبعد أن عرفنا مذهب الماتريدية في "كلام الله" تعالى ننتقل إلى المقامات الآتية لبيان بطلان مذهبهم هذا والله المستعان على ما يصفون.

المقام الثاني:

في إبطال الكلام النفسي:


(١) انظر ((روح المعاني)) (١/ ١٧).
(٢) ((شرح الطحاوية)) (ص ١٨٠).
(٣) انظر: ((تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد)) (ص ٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>