القول بالكلام النفسي من إحدى حماقات أهل الكلام ومحاولاته كالقول بالأحوال والقول بنفي علو الله تعالى، والقول بأن ما وراء العالم لا خلاء ولا ملاء وغيرها مما صدر عن هؤلاء السفهاء مجانين العقلاء وهي خزعبلات لا تصدر عن عقلاء المجانين فضلاً عن العقلاء ولا يقرها عقل ولا نقل، ولا إجماع، ولا عرف ولا لغة ولا فطرة.
ومن تلك الأباطيل قولهم ببدعة "الكلام النفسي" وهو باطل من وجوه متعددة نذكر منها ما يلي:
الوجه الأول إلى الوجه السابع:
أن "الكلام النفسي" الذي ذكروه ووصفوه شيء لا يقره عقل صريح ولا نقل صحيح، ولا فطرة سليمة، ولا إجماع بني آدم، ولا عرف، ولا لغة مع كونه قولاً متناقضاً في نفسه ومذهباً مضطرباً من أصله وهو أمر لم يتصوره أصحابه فضلاً عن أن يثبتوه فهذه ستة وجوه.
ولم يعرفه أحد من بني آدم: لا عربهم، ولا عجمهم، ولا مسلمهم، ولا كافرهم، ولا علماؤهم، ولا جهالهم، ولا رجالهم، ولا نساؤهم، ولا الأنبياء والمرسلون، ولا الصحابة والتابعون، ولا الفقهاء والمحدثون، بل ولا الفلاسفة اليونانية، ولا المعتزلة، ولا الجهمية؛ فلم يعرفه أحد عبر القرون والأعصار ولا قاله أحد من أهل القرى والأمصار.
وأول من عرف عنه القول بالكلام النفسي هو ابن كلاب (بعد ٢٤٠هـ).
وأنكر عليه أهل السنة وأهل البدعة جميعاً لكونه قولاً ثالثاً بين قولين، خارقاً لإجماع الفريقين.
ثم دبت هذه البدعة الدهماء الظلماء الشنعاء إلى الماتريدية والأشعرية لأن بني آدم جميعاً قبل هؤلاء وبعدهم كانوا يفهمون أن الكلام هو اللفظ الدال على المعنى وأن يكون بحرف وصوت يسمع، وهذا بمجموعه وجه سابع، فهذه وجوه سبعة.
وفيما يلي بعض نصوص أئمة السنة لتفصيل هذه الوجوه السبعة الدالة على إبطال هذه البدعة:
١ - قال الحافظ أبو نصر السجزي الوائلي الحنفي (٤٤٤هـ).
"اعلموا - أرشدنا الله وإياكم - أنه لم يكن خلاف بين الخلق على اختلاف نحلهم من أول الزمان إلى الوقت الذي ظهر فيه ابن كلاب (٢٤٠هـ)
والقلانسي والأشعري (٣٢٤هـ) وأقرانهم.
- الذين يتظاهرون بالرد على المعتزلة وهم معهم بل أخس حالاً منهم في الباطن - (في) - أن الكلام لا يكون إلا حرفاً وصوتاً ذا تأليف واتساق.
وإن اختلفت به اللغات.
وعبر عن هذا المعنى الأوائل الذين تكلموا في العقليات.
وقالوا: "الكلام حروف متنسقة وأصوات مقطعة.
وقالت: (يعني علماء العربية) - "الكلام اسم وفعل وحرف جاء لمعنى ... ، فالإجماع منعقد بين العقلاء على كون الكلام حرفاً وصوتاً.
فلما نبغ ابن كلاب وأضرابه، وحاولوا الرد على المعتزلة من طريق مجرد العقل - وهم لا يخبرون أصول السنة ولا ما كان السلف عليه.
ولا يحتجون بالأخبار الواردة في ذلك زعماً منهم أنها أخبار آحاد وهي لا توجب علماً - وألزمتهم المعتزلة الاتفاق على أن الاتفاق حاصل على أن الكلام حرف وصوت، ويدخله التعاقب والتأليف وذلك لا يوجد في الشاهد إلا بحركة وسكون.
ولابد له من أن يكون ذا أجزاء وأبعاض.
وما كان بهذه المثابة لا يجوز أن يكون من صفات ذات الله تعالى؛ لأن ذات الله تعالى لا توصف بالاجتماع والافتراق، والكل والبعض والحركة والسكون، وحكم الصفة الذاتية حكم الذات.
وقالوا: فعلم بهذه الجملة أن الكلام المضاف إلى الله تعالى خلق له أحدثه وأضافه إلى نفسه، كما نقول: "خلق الله، وعبدالله، وفعل الله ... ".
فضاق بابن كلاب وأضرابه النفس عند هذا الإلزام، لقلة معرفتهم بالسنن وتركهم قبولها وتسليمهم العنان إلى مجرد العقل.
فالتزموا ما قالته المعتزلة، وركبوا مكابرة العيان، وخرقوا الإجماع المنعقد بين الكافة: المسلم والكافر.
وقالوا للمعتزلة: "الذي ذكرتموه ليس بحقيقة الكلام.