للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما سمي ذلك كلاماً مجازاً لكونه حكايةً أو عبارةً عنه.

وحقيقة الكلام: معنى قائمُ بذات المتكلم.

فمنهم من اقتصر على هذا القدر.

ومنهم من احترز عما علم دخوله على هذا الحد فزاد فيه:

"ينافي السكوت والخرس والآفات المانعة فيه من الكلام".

ثم خرجوا من هذا إلى أن إثبات الحرف والصوت في كلام الله تجسيم.

وإثبات اللغة فيه تشبيه، وتعلقوا بشبهٍ منها قول الأخطل.

إن البيان من الفؤاد إنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلا

فغيروه وقالوا: "إن الكلام من الفؤاد ... ".

فألجأهم الضيق مما دخل عليهم في مقالتهم إلى أن قالوا:

"الأخرس متكلم، وكذلك الساكت والنائم، ولهم في حال الخرس والسكوت والنوم كلام هم متكلمون به".

ثم أفصحوا بأن الخرس والسكوت والآفات المانعة من النطق ليست بأضداد الكلام.

وهذه المقالة تبين فضيحة قائلها في ظاهرها من غير رد عليه. ومن علم منه خرق إجماع الكافة ومخالفة كل عقلي وسمعي قبله - لم يناظر بل يجانب ويقمع" (١).

٢ - وقال هذا الإمام السجزي الوائلي الحنفي أيضاً:

" ... فإن ارتكبوا العظمى وقالوا: "كلام الله شيء واحد على أصلنا لا يتجزأ، وليس بلغة، والله سبحانه من الأزل إلى الأبد متكلم بكلام واحدٍ لا أول له ولا آخر ... والتكثر - إنما يرجع إلى العبارة لا إلى المعبر عنه".

قيل له: قد بينا مراراً كثيرة - أن قولكم في هذا الباب فاسد، وأنه مخالف للعقليين، والشرعيين جميعاً (يعني أهل البدعة وأهل السنة)،

وأن نص الكتاب، والثابت من الأثر قد نطقا بفساده.

قال الله تعالى: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ [النحل: ٤٠]

فبين الله أنه يقول: للشيء "كن" إذا أراد كونه،

فعلم بذلك أنه لم يقل للقيامة بعد: "كوني" ...

فبين الله جل جلاله: أنه قال لآدم بعد خلقه من تراب: "كن".وأنه إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون ... " (٢).


(١) ((درء التعارض)) (٢/ ٨٣ - ٨٦)، عن رسالة الإمام أبي نصر السجزي المعروفة إلى أهل زبيد في الواجب من القول في القرآن.
(٢) ((درء التعارض)) (٢/ ٨٧ - ٨٨)، عن كتاب ((الإبانة)) للوائلي الحنفي.

<<  <  ج: ص:  >  >>