للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما تقول في موسى عليه السلام حيث كلمه الله؟.

أفهم كلام الله مطلقاً أم مقيداً؟.

فتلكأ قليلاً، ثم قال: "ما تريد بهذا"؟.

فقلتُ: دع إرادتي، وأجب بما عندك، فأبى وقال: "ما تريد بهذا"؟.

فقلتُ: أريد أنك إن قلت: "إنه عليه السلام فهم كلام الله مطلقاً".

اقتضى أن لا يكون لله كلام من الأزل إلى الأبد إلا وقد فهمه موسى - وهذا يؤول إلى الكفر ...

وإذا لم يجز إطلاقه وألجئت إلى أن تقول:

"أفهمه الله ما شاء من كلامه".

دخلت في التبعيض الذي هربت منه، وكَفَّرْتَ من قال به، ويكون مخالفك أسعد منك، لأنه قال بما اقتضاه النص الوارد من قبل الله عز وجل، وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت أبيت أن تقبل ذلك وادعيت:

"أن الواجب المصيرٌ إلى حكم العقل في هذا الباب".

وقد ردك العقل إلى موافقة النص خاسئاً.

فقال: هذا يحتاج إلى تأمل".وقطع الكلام ... " (١).

وقال شيخ الإسلام: " ... فقيل لهم: عندكم هو معنى واحد لا يتبعض ولا يتعدد. فموسى فهم المعنى كله أو بعضه؟.إن قلتم كله فقد علم علم الله كله، وإن قلتم بعضه فقد تبعض وعندكم لا يتبعض!!! " (٢).

الوجه التاسع:

أنه يلزم من مقالتكم أن القرآن الكريم إن ترجم إلى العبرية كان توراةً وإن ترجم إلى السريانية كان إنجيلاً وكذا يلزم أن التوراة إن ترجمت إلى العربية كانت قرآناً، وكذا يلزم أن الإنجيل إن ترجم إلى العبرية كان توراة وإن ترجم إلى العربية كان قرآنا، فهل تقولون بهذه اللوازم الباطلة؟.

ولا محيد لكم من التزام هذه الخرافات والخزعبلات التي لزمتكم من قولكم الفاسد الباطل، إلا أن ترجعوا إلى مذهب أهل السنة المحضة وتوافقوا العقل والنقل والإجماع.

الوجه العاشر:

أنه يلزمكم أن يكون خبر الله تعالى عين الإنشاء وبالعكس وأمره عين النهي وبالعكس.

قال الإمام ابن أبي العز الحنفي:

" ... وهذا الكلام فاسد فإن لازمه أن معنى قوله: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى [الإسراء: ٣٢]

هو معنى قوله: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ [البقرة: ٤٣]

ومعنى آية الكرسي هو معنى "آية الدين".

ومعنى "سورة الإخلاص" هو معنى تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد: ١] وكلما تأمل الإنسان هذا القول تبين له فساده، وعلم أنه مخالف لكلام السلف ... " (٣).

الوجه الحادي عشر:

أن الماتريدية صرحوا بأن كلام الله تعالى صفة تنافي الخرس والسكوت والآفة كما تقدم نص كلامهم.

ومعلوم أن الخرس والسكوت والآفة تنافي الكلام اللفظي ولا تنافي الكلام النفسي. أما من وصل في الحماقة إلى حد قال: إن السكوت والخرس قد يكونان نفسيين فينافيان الكلام النفسيَّ - كما هذى بذلك فيلسوفهم التفتازاني (٧٩٢هـ) (٤) فقد كابر بداهة العقل الصريح، وعارض النقل الصحيح، وصار من السوفسطائية العنادية؛ لخروجه على النقليات والعقليات والبداهة في آن واحد معاً.

ويجب عليه أن يتهم نفسه ويترك وساوسه ويداوي عقله وينابذ هواجسه فمثله لا يكون من أولي الألباب بل ينبغي أن يربط بخيشومه في الاصطبل مع الدواب لئلا يتلاعب بكلام رب الأرباب، ولا يحرف نصوص السنة والكتاب، فهل مثل هؤلاء أهل الدراية؟ وبم يتطاولون على أهل الرواية.

الوجه الثاني عشر:

أن القرآن الكريم معجزٌ أعجز البشر عن أن يأتوا بمثله، وأن الله تعالى تحدى به الكفار بل الإنس والجن جميعاً، أن يأتوا بمثله أو بعشر سور مثله أو بسورة بمثله أو بحديث مثله.


(١) ((درء التعارض)) (٢/ ٩٠ - ٩٢)، عن كتاب ((الإبانة)) له.
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٢٢٦).
(٣) ((شرح الطحاوية)) (ص ١٩١ - ١٩٢)، وراجع أيضاً ((درء التعارض)) (٤/ ١١٩ - ١٢٤).
(٤) انظر ((شرح العقائد النسفية)) (ص ٥٥)، و ((مع النبراس)) (ص ١٤١)، ط الجديدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>