للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال الله تعالى: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:٨٨]

وقال سبحانه: قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ [هود:١٣]

وقال جل وعلا: فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ [البقرة:٢٣]

وقال عز وجل: فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ [يونس:٣٨]

وقال عز من قائل: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ [الطور:٣٤]

فالقرآن معجز ومتحدّىً به.

ومعلوم أن "الكلام النفسي" لا يتصور معارضته ولا يتحدى به؛ فلو لم يكن هذا القرآن العربي كلام الله تعالى على الحقيقة لما كان مُعجزاً أعجز الجن والإنس، ولم يكن متحدى به تحدى الله به الخلق؛ وهذا واضح لمن عرف قيمة كتاب الله وقدر كلام الله سبحانه وتعالى. وللإمام ابن أبي العز الحنفي (٧٩٢هـ) كلام قيم فارجع إليه (١).

الوجه الثالث عشر: أن المجاز يجوز نفيه، فإذا قلنا لرجلٍ شجاعٍ: هو أسدٌ، يجوز لنا أن نقول: هو ليس بأسدٍ حتى باعتراف الماتريدية (٢).

فلو لم يكن هذا القرآن العربُّي كلام الله تعالى على الحقيقة.

لجاز لنا أن نقول: إنه ليس كلام الله.

وما أظن أن أحداً ينتسب إلى الإسلام يتجرأ على هذا الكفر البواح والارتداد الصراح، لا الماتريديةَ، ولا أحداً غيرهم من الجهمية.

الوجه الرابع عشر:

أن الكلام النفسي شيء معدوم محض لا وجود له ولا عبرة له فلا تتعلق به الأحكام؛ لأنه من قبيل حديث النفس وخواطرها ووساوس القلب وهواجس الصدور. فلا يُحل حراماً ولا يُحرّم حلالاً ولا يَدْخلُ به المرءُ في الإسلام ولا يخرج به عنه إلى الكفر ولا يقع به الطلاق ولا العتاق ولا تفسد به الصلاة بالاتفاق (٣).

فهل تريد الماتريدية أن يجعلوا كلام الله تعالى معدوماً؟.

الوجه الخامس عشر:

أن ما يسمونه "الكلام النفسي" إن قد تصوره وتعقله - فهو ليس إلا قدرةً بالكلام، أو العلمَ به لا عين الكلام، لأنهما غيرُ الكلام، فهما صفتان

فيكون "كلام" الله عندكم قدرةً عليه، أو يكون "كلاماً" بالقوة، لا "كلاماً" بالفعل!. أو يكون "الكلام" عندكم "علماً"؛

فنسألكم: هل الله عندكم متكلم بالفعل أم بالقوة؟

فإن قلتم: هو متكلم بالفعل - فقد أبطلتم "الكلام النفسي" وهدمتم بنيانكم على أمهات رؤوسكم وأخربتموه بأيديكم؛ حيث بنيتموه على شفا جرف هار، فانهار عليكم بنيانكم المنهار،

وإن قلتم: هو متكلم بالقوة - فقد أبطلتم صفة "كلام" الله، ونفيتموها وحرفتموها إلى "العلم" أو "القدرة" وهذا عين التعطيل والتحريف.

وهذه حقيقة قد أسفر عنها عصامكم الإسفرايني (٩٥١هـ) حيث قال معترفاً مسفراً عن أسراركم، غير عاصم لأدباركم:


(١) ((شرح الطحاوية)) (ص ٢٠٠)، وراجع أيضاً ((الرد على الجهمية)) للدارمي (ص ٩٩).
(٢) انظر: ((شرح العقائد النسفية)) (ص ٦١)، و ((النبراس)) (ص ٢٣٠)، و ((حاشية العصام على شرح العقائد النسفية)) (ص ١٨٨).
(٣) ((الإيمان)) (ص ١٣١ - ١٣٢)، ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ١٣٧ - ١٣٨)، ((شرح الطحاوية)) (ص ١٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>