للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: "الثانية: أن التكليم لا يتوقف على السماع من الله بالذات، وليس في النظم الجليل أنه سمع موسى من الله.

بل أنه تعالى كلمه ... فإنه أقرب المجازات في المقام، فهو بواسطة الحروف والأصوات المخلوقة في الشجرة في تكليم موسى" (١).وجاء أحمق آخر وهو أبو المنتهى (كان حياً سنة: ٩٣٩هـ) الذي انتهى بعقله إلى أن قال في شرح كلام الإمام أبي حنيفة رحمه الله: "بأن قال لموسى في الأزل بلا صوت ولا حرف: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ [طه:١٢] (٢)

قلت: هذه الأساطير عين خزعبلات الجهمية الأولى وورثتها عنهم أفراخهم الماتريدية.٨ - ١٢ - بشهادة أئمة الإسلام: أحمد بن حنبل، والدارمي، والأشعري، والبيهقي، والحافظ ابن حجر العسقلاني (٣).

١٣ - وقد ذكر الإمام البيهقي عدة من الآيات التي كلم الله بها موسى عليه السلام ثم قال: "فهذا كلام سمعه موسى عليه السلام بإسماع الحق إياه بلا ترجمان بينه وبينه".

الحاصل:

أن مزاعم الماتريدية عين مزاعم الجهمية الأولى وهي باطلة عقلاً ونقلاً وإجماعاً ولغة وعرفاً وسمعاً.

وأن الله سبحانه وتعالى متصف بصفة الكلام، ويجب الإيمان بذلك كما هو الأمر في سائر صفاته سبحانه وتعالى بلا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل ولا تحريف، وأن كلامه تعالى بحرف وصوت مسموع، وأن كلامه، وصوته تعالى لا يشبهان كلام خلقه وأصواتهم.

وعلى هذا مضى الأنبياء والمرسلون والصحابة والتابعون والأئمة الفقهاء والمحدثون حتى الإمام أبو حنيفة، وفيه عبرة للماتريدية.

قال ابن القيم الإمام: قال شيخ الإسلام: أول ما ظهر إنكار أن الله تعالى يتكلم بصوت في أثناء المئة الثالثة؛ فإنه لما ظهر مذهب الجهمية وتبين للناس نفاقهم المشتق من أقوال المشركين والصابئين وثَبَّتَ الله خلفاء الرسل وورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام -

ظهر ابن كلاب البصري (٢٤٠هـ) فوافق أهل السنة في إثبات الصفات من ناحية وخالفهم من ناحية فأحدث القول بالكلام النفسي المستلزم لنفي الحرف والصوت.

فأنكر قوله الإمام أحمد وأصحابه كلهم، والبخاري وغيرهم. ورجع الحارث المحاسبي (٢٤٣هـ) عن قوله الكلابي إلى إثبات الحرف والصوت في كلام الله تعالى (٤).

المصدر:الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني ٣/ ٧٣

إبطالهم شبهات الماتريدية حول كلام الله

الشبهة الأولى:

شبهة "التشبيه":

أصل الدافع للجهمية جميعاً على تعطيل صفة "كلام" الله تعالى - هو أنهم ظنوا أنه لابد في حقيقة الكلام من فم وشفتين ولسان وحنجرة وحلقوم ونحوها من الجوارح والآلات والمخارج.

وسبق إبطال شبهة التشبيه بصورة عامة في فصل مستقل.

أما هذه الشبهة بخصوصها -

فقد أبطلها سلف هذه الأمة وأئمة السنة:

فقد تصدّى لإبطالها إمام أهل السنة أحمد بن حنبل.

وحاصل ما قاله: أنه لا يلزم من حقيقة الكلام وجود تلك الآلات والأعضاء والجوارح والمخارج فالله قادر على أن ينطق بما يشاء كيف يشاء،


(١) ((إشارات المرام)) (ص ١٨١ - ١٨٢)، وانظر أيضاً: ((تعليقات الكوثري على الأسماء والصفات)) (ص ١٩٣ - ١٩٤).
(٢) ((شرح الفقه الأكبر)) لأبي المنتهى المغينساوي (ص ١١).
(٣) راجع ((الرد على الجهمية)) للإمام أحمد (ص ١٣٠)، و ((الرد على الجهمية)) للدارمي (ص ١٥٥)، تحقيق بدر البدر، و ((الإبانة)) للأشعري (ص ٦٨ - ٧٦)، تحقيق الدكتورة فوقية، و (ص ٥٥)، تحقيق عبدالقادر الأرناؤوط، طبعة دار البيان، و (ص ٨٩)، طبعة الجامعة الإسلامية، و ((الاعتقاد)) للبيهقي (ص ٩٥ - ٩٦)، و ((فتح الباري)) (١٣/ ٤٥٥).
(٤) ((مختصر الصواعق المرسلة)) (٢/ ٣٢٧ - ٣٢٩)، الطبعة القديمة، و (ص ٤٥٠ - ٤٥١) الطبعة الجديدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>