للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمعنى: كتبت إليه رقعة، أو بعثت إليه رسولاً. فلما قال: "تكليماً" لم يكن إلا كلاماً مسموعاً من الله" (١).

قلتُ: تزعم الماتريدية أن كلام الله غير مسموع لأحد.

٣ - وقال أبو إسحاق إبراهيم الزجاج (٣١١هـ):"وأخبر الله عز وجل بتخصيص نبي ممن ذكر فأعلم عز وجل أن موسى كُلّمَ بغير وحي، وأكد ذلك بقوله "تكليماً" فهو كلاما كما يعقل الكلام لا شك في ذلك" (٢).

قلتُ: لكن مزعوم الماتريدية من الكلام النفسي غير معقول ولا منقول فلا يقره نقل ولا عقل ولا إجماع ولا لغة ولا عرف.

٤ - وقال أبو جعفر أحمد بن محمد النحاس (٣٣٨هـ):

"تكليماً" مصدر مؤكد.

وأجمع النحويون على أنك إذا أكدت الفعل بالمصدر لم يكن مجازاً.

وأنه لا يجوز في قول الشاعر:

،، امتلا الحوض وقال قِطِني،،

أن يقول: قال: قولاً. فكذا لما قال: "تكليماً" وجب أن يكون كلاماً على الحقيقة من الكلام الذي يعقل" (٣).

قلتُ: مزعوم الماتريدية من الكلام النفسي موضوع مصنوع لا منقول ولا معقول ولا مسموع بل هو أمر نفسي وسواسي خيالي ضلالي.

٥ - وقال القرطبي (٦٧١هـ): "تكليماً" مصدر معناه، التأكيد، يدل على بطلان من يقول: خلق لنفسه كلاماً في الشجرة فسمعه موسى،

بل هو الكلام الحقيقي الذي يكون به المتكلمُ متكلماً".ثم ذكر كلام النحاس المتقدم آنفاً (٤).

قلتُ: أما الجهمية القديمة والحديثة من الماتريدية فيقولون: إن موسى عليه السلام سمع صوتاً مخلوقاً في الشجرة ولم يسمع كلام الله من الله.

وقد كنت في أودية ضلالهم برهة فأخرجني الله تعالى من ظلمات بدعهم إلى نور السنة مع أنه من الصعب الخروج من تشكيكاتهم وشبهاتهم إلا لمن يسره الله.

وقليل ما هم؛ فمثلي مثل ذلك الشاعر الذي نجا من أنياب السبا عوخرج من واديها سالماً ثم أنشد:

مررت على وادي السباع ولا أرى ... كوادي السباع حين يظلم وادياً

أقل به ركب أتوه تئية ... وأخوف إلا ما وقى الله سارياً

تنبيه:

هذا أيضاً من الفروق بين الماتريدية وبين الأشعرية:

فكم من كبار الأشعرية رجعوا عن العقيدة الكلامية، أما الماتريدية فلم يرجع منهم إلى العقيدة السلفية إلا نزر قليل.

٦ - وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله (١٥٠هـ):"وسمع موسى عليه السلام كلام الله تعالى كما قال الله تعالى: وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:١٦٤] (٥)

٧ - وقال العلامة القاري في شرحه:

"أتى المصدر المؤكد لدفع حمل الكلام على المجاز،

أي "كلمة الله تكليماً محققاً، وأوقع له سماعاً مصدقاً. والمعنى: أن موسى عليه الصلاة والسلام سمع كلام رب الأرباب بلا واسطة إلا أنه من وراء الحجاب" (٦).قلتُ: أما عامة الماتريدية فقد خرجوا على الإمام أبي حنيفة وهدموا استدلاله فصرحوا بأن موسى عليه السلام لم يسمع كلام الله، وإنما سمع صوتاً مخلوقاً من الشجرة، وقالوا أيضاً: ليس في القرآن: أن موسى سمع كلام الله (٧).

،، فأبطلوا استدلال إمامهم الأعظم،، فصاروا الأعق والأظلم،،

وجاء محرف آخر وهو البياضي أحد رؤساء قضاة عساكرهم (١٠٩٨هـ) فحرف كلام الإمام أبي حنيفة فقال في شرح كلامه:

" ... (وسمع موسى) صوتاً غير مكتسب للعباد إكراماً له دالاً على ما يصح تعلقه به (كلام الله) لقائم به".


(١) ((زاد المسير)) لابن الجوزي (٢/ ٢٥٦) عن ثعلب.
(٢) ((معاني القرآن وإعرابه)) (٢/ ١٣٣).
(٣) ((إعراب القرآن)) (١/ ٥٠٧).
(٤) ((الجامع لأحكام القرآن)) (٦/ ١٨).
(٥) ((الفقه الأكبر مع شرحه)) للقاري (ص ٤٦).
(٦) ((منح الأزهر شرح الأكبر للقاري)) (ص ٤٦).
(٧) انظر ((إشارات المرام)) (ص ٨١ - ٨٢)، وانظر ما قاله الكوثري في تعليقاته على ((الأسماء والصفات)) (ص ١٩٣ - ١٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>