للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا النوع من النصوص كثيرة أكتفي منها بما هو أصرح وأدمغ لأدمغة المعطلة الزائغة أصحاب العقيدة الزائفة:

١ - قال الله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ [البقرة:١١٨]

فهذه الآية حجة قاطعة على أن كلام الله تعالى بحرف وصوت يسمع، لأنهم لم يطلبوا "الكلام النفسي" وإلا كيف يمكن للكفار هذه المطالبة؟ مع العلم بأن "الكلام النفسي" لا يسمع.

فهذا دليل دامغ لكل زائغ على أن هذا أمر ممكن كإتيان آية.

لأن الله تعالى لم ينكر عليهم بأنهم طلبوا أمراً محالاً.

بل أنَّبَهُمْ بعدم اكتفائهم سماع كلام الله تعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرادوا أن يسمعوه من الله تعالى مباشرة تعنتاً وعناداً.

وهذه حقيقة اعترف بها الإمام أبو منصور الماتريدي حيث يقول:" ... ولا أنكر على الذين قالوا: "لولا يكلمنا الله" إلا بوصف التكبر والجهل بمنزلة أنفسهم" (١).

فيكون هذا الاعتراف واضح من هذا الإمام الماتريدي فاضحاً للماتريدية وقاطعاً لدابرهم ومطالبة الكفار هذه بمنزلة مطالبتهم بإنزال الملائكة ورؤية الله وكل هذه الأمور ممكنةٌ عقلاً وليس شيءٌ منها مستحيلا.

وإنما المستحيل ومن حماقات الكلام هو الكلام النفسي.

فهل كان هؤلاء يطالبون بأن يكلمهم الله كلاماً نفسياً لا يسمعونه؟؟!!

ب- قال جل وعلا: وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: ١٦٤]

قلتُ: ههنا عجائب وغرائب من حماقات الجهمية التي ارتكبها الماتريدية حول هذه الآية المحكمة الواضحة الصريحة المؤكدة؛ فحرفوها؛

فقالوا: "إن موسى عليه السلام لم يسمع كلام الله!!!.

وإنما سمع صوتاً مخلوقاً دالاً على كلام الله،

وسمى موسى كليم الله؛ لأنه سمع صوتاً مخلوقاً في الشجرة بدون واسطة الملك، كما تقدم في عرض مذهبهم.

وبهذه الحماقات والخزعبلات خرجوا على المنقول والمعقول وإجماع سلف هذه الأمة وأئمة السنة.

بل خرجوا على صريح نص الإمام أبي حنيفة رحمه الله، إمامهم الأعظم، كما سيأتي نص كلامه قريباً.

وكفى به خزياً مبيناً!!، لأن هذا تحريف محض بل تكذيب بحت؛

فأنت ترى أن الله أكد كلامه بالمصدر فانقطع احتمال أيّ تأويل ومجاز. لو قدر وجود المجاز فلا يحتمل إلا الكلام الحقيقي المسموع من المتكلم مباشرة - وهذا مما اعترف الماتريدية به اعترافاً واضحاً فاضحاً (٢).

وهذه كلها ألوان شتى لتناقضهم واضطرابهم ومخالفتهم لإمامهم.

وفيما يلي بعض نصوص أئمة اللغة والسنة حول هذه الآية وتحقيق سماع موسى عليه السلام كلام ربه.

١ - قال أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء (٢٠٧هـ).

"العرب تسمى ما يوصل إلى الإنسان كلاماً بأي طريق وصل، ولكن لا تحققه بالمصدر، فإذا حقق بالمصدر لم يكن إلا حقيقة الكلام ... " (٣).

قلتُ: لكن الماتريدية تزعم أن موسى عليه السلام سمع ما يدل على الله، لا كلام الله حقيقة فخالفوا اللغة والنقل والعقل جميعاً.

٢ - وقال أبو العباس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب الكوفي (٢٩١هـ):

"لولا أن الله تعالى أكد الفعل بالمصدر - لجاز أن يكون كما يقال أحدنا للآخر: "قد كلمت لك فلاناً".


(١) ((كتاب التوحيد)) (ص ٥٧)، وهكذا اعترافه بهذه الحقيقة في تفسيره، ((تأويلات أهل السنة)) (١/ ٢٦٩)، تحقيق الدكتور إبراهيم عوضين، والسيد عوضين و (١/ ٢٣٤)، تحقيق الدكتور محمد مستفيض الرحمن، وانظر ((مدارك التنزيل)) (١/ ٨٣)، و ((إرشاد العقل السليم)) (١/ ١٥٢).
(٢) انظر: ((كتاب التوحيد)) للماتريدي (ص ٥٧)، و ((إرشاد العقل السليم)) (٢/ ٢٥٦).
(٣) ((معالم التنزيل)) للبغوي (١/ ٥٠٠)، عن الفراء ولم أجده في معانيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>