للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس هذا قول بحلول النصارى أيضاً كما زعم ذلك دهما المتكلمين. ومنهم الماتريدية حيث زعموا: أن هذا حلول وزعموا أن تلاوة القرآن كذكر "الله" تعالى، وذكره "النار" باللسان (١).قُلْتُ: ومن هنا عرفنا أن الماتريدية - الذين يجاهرون بأن القرآن على ألسنة الناس بل على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل على لسان جبريل وفي اللوح المحفوظ مخلوق (٢) - جهميةٌ محضة والله المستعان على ما يصفون.

النقض الثاني:

بنصوص "صوت" الله تعالى.

لقد وردت نصوص صريحة في إثبات "الصوت" لله تعالى؛ فكما أن كلامه تعالى لا يشبه كلام خلقه، كذلك صوته تعالى لا يشبه أصوات خلقه سبحانه، تدل عليه نصوص كثيرة.

النقض الثالث:

بنصوص مناداة الله تعالى وندائه.

لقد استفاضت نصوص الكتاب والسنة على أن الله تعالى نادى وينادي.

قال تعالى: وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ ... [الأعراف:٢٢]

وقال سبحانه وتعالى: وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [الصافات: ١٠٤ - ١٠٥]

وقال جل وعلا: إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى [النازعات: ١٦]

وقال عز وجل: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ [القصص:٤٧]

قال شيخ الإسلام: بعدما استدل بنصوص "النداء" على إثبات "صوت" الله تعالى:

"النداء في لغة العرب هو صوت رفيع لا يطلق النداء على ما ليس بصوت لا حقيقة ولا مجازاً ... ".ثم ذكر سماع موسى عليه السلام لكلام الله تعالى (٣).قلتُ: ولقد صدق شيخ الإسلام فقد صرح أهل اللغة بأن "النداء" صوت بل رفيع بل أرفع (٤).

قال شيخ الإسلام: بعد ما ذكر نصوص "النداء"

"واستفاضت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة السنة، أنه سبحانه وتعالى ينادي بصوت، نادى موسى، وينادي عباده يوم القيامة بصوت، ويتكلم بالوحي بصوت.

ولم ينقل عن أحد من السلف أنه قال: إن الله يتكلم بلا صوت أو بلا حرف، ولا أنه أنكر أن يتكلم الله بصوت أو حرف.

كما لم يقل أحد منهم أن الصوت الذي سمعه موسى قديم، ولا أن ذلك النداء قديم، ولا قال أحد منهم: إن هذه الأصوات المسموعة من القراء هي الصوت الذي تكلم الله به، بل الآثار مستفيضة عنهم بالفرق بين الصوت الذي يتكلم الله به وبين أصوات العباد، وكان أئمة السنة يعدون من أنكر تكلمه بصوت - من الجهمية".ثم نقل ذلك عن الإمام أحمد والبخاري (٥).

قلتُ: بناء على العقيدة السلفية التي نقلت من السلف في صوت الله تعالى عرفنا أن الماتريدية من الجهمية وليسوا من أهل السنة المحضة.

النقض الرابع:

بنصوص تكلم الله تعالى بالوحي ولاسيما القرآن.

النقض الخامس:

بنصوص تكليم الله تعالى ملائكته ورسله وغيرهم من عباده.

وهذا النوع من النصوص حجج قاطعة وبراهين ساطعة على أن كلام الله تعالى بحرف وصوت مسموع.


(١) انظر: ((التمهيد)) لأبي المعين النسفي (٧/أ) و ((العمدة)) لحافظ الدين النسفي (٧/ب) و ((شرح العقائد النسفية)) (ص ٥٩) و ((النبراس)) (ص ٢٢٦)، و ((تعليقات الكوثري على الأسماء والصفات)) (ص ٢٥٥)، ولكن كلام شيخ الإسلام في ((مجموع الفتاوى)) (١٢/ ٣٨٣ - ٣٩١، ٥٦٤ - ٥٦٦)، يقطع دابر مزاعمهم وأصل مذاهبهم.
(٢) راجع ((مقالات الكوثري)) (ص ٢٧).
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٥٣٠ - ٥٣١).
(٤) راجع ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (٣/ ٢٤٥)، و ((الصحاح)) (٦/ ٢٥٠٥)، ((مفردات الراغب)) (ص ٤٨٦)، ((لسان العرب)) (١٥/ ٣١٥)، و ((القاموس)) (ص ١٧٢٤)، و ((تاج العروس)) (ص ٣٦٣).
(٥) ((مجموع الفتاوى)) (١٢/ ٣٠٤ - ٣٠٥)، و (٦/ ٥٢٧ - ٥٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>