ثم قال تعالى:{إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} من غير اعتراض، لأنه على الحكمة العامة في العالم، وليس للناس ما يؤهلهم للوقوف على تلك الحقائق كاملة.
{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}، وقد تقدم أنهم موحدون عاصون، لا يدخلون الجنة إلا بعد العذاب إذا كانت (ما) بمعنى من، أو أنهم ينالون، ما هو أعظم من الجنة، وهو رؤية الله تعالى ورضوانه {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}، غير مقطوع، فهذا الثواب لا ينقطع.
{فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ} أي فلا تشك بعد ما أنزل عليك من هذه القصص، في سوء عاقبة عباداتهم، وأنهم آيلون إلى الهلاك، ومن تبعهم غير ناجين في الدنيا والآخرة، وهذا وعده بالانتقام منهم، ووعيد لهم، وتسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكل من سار على قدمه من المؤمنين، وأن الله ناصره وناصرهم وخاذل أعدائه وأعدائهم، كما جربناه في هذه الحياة مرارًا، وهم ما يعبدون إلا كما عبد آباؤهم من قبل، وقد قصصنا عليك ما نزل بآبائهم فسيلحقهم مثله، فإن المشابهة في الأسباب تستدعي المشابهة في المسببات، وقوله {إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ} أي كما كان يعبد آباؤهم، وهذا قوله تعالى:{مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ} إلى قوله {وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ} من العذاب {غَيْرَ مَنْقُوصٍ}، حال من النصيب لتقييد التوفية، دفعًا لما يحتمل أن التوفية تكون للبعض مجازًا.
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ} فآمن قوم وكفر قوم، كما اختلف هؤلاء في القرآن {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} أي كلمة الإنظار إلى يوم القيامة {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} بين قوم موسى وقومك بالعذاب المستأصل، {وَإِنَّهُمْ} وإن كفار قومك {لَفِي شَكٍّ مِنْهُ}، من القرآن {مُرِيبٍ} موقع الريبة.
{وَإِنَّ كُلًّا} وإن كل المختلفين المؤمنين والكافرين، {لَمَّا} إلا والله {لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالهُمْ}(وقرئ)(لَمَا) بالتخفيف، فاللام إذن موطئة للقسم، والثانية للتأكيد، و (ما) زائدة للفصل بينهما، {إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} فلا يخفى عليه شيء.