للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال بعض العلماء: والرشوة قد تكون في الحكم وهي محرمة على الراشي والمرتشي. وقد روى أنه -صلى الله عليه وسلم- لعن الراشي والمرتشي والذي يمشي بينهما لأن الحاكم حينئذ إن حكم له بما هو حقه كان فاسقًا من جهة أنه قبل الرشوة على أن يحكم بما يعرض عليه الحكم به. وإن حكم بالباطل كان فاسقًا من جهة أنه أخذ الرشوة. ومن جهة أنه حكم بالباطل.

وقد تكون الرشوة في غير الحكم مثل أن يرشو الحاكم ليدفع ظلمه عنه. فهذه الرشوة محرمة على آخذها غير محرمة على معطيها. فقد روى عن الحسن أنه قال: لا بأس أن يدفع الرجل من ماله ما يصون به عرضه). وروى عن جابر بن زيد والشعبي أنهما قالا: (لا بأس بأن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم).

وقد ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- حين قسم غنائم بعض الغزوات وأعطى العطايا الجزيلة، أعطى العباس بن مرداس أقل من غيره، فلم يرق ذلك للعباس وقال شعرًا يتضمن التعجيب من هذا التصرف. فقال -صلى الله عليه وسلم- (اقطعوا لسانه). فزادوه حتى رضي، فهذا نوع من الرشوة رخص فيه السلف لدفع الظلم عن نفسه يدفعه إلى ما يريد ظلمه أو انتهاك عرضه) (١).

٢ - استدل بعض العلماء بقوله -تعالى- فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم، على أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان مخيرًا في الحكم بين أهل الكتاب أو الإعراض عنهم، وأن حكم التخيير غير منسوخ لأن ظاهر الآية يفيد ذلك.

ويرى فريق من العلماء ان هذا التخيير قد نسخ بقوله -تعالى- بعد ذلك (وأن احكم بينهم بما أنزل الله). قالوا: النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أولًا مخيرًا، ثم أمر بعد ذلك بإجراء الأحكام عليهم.

وقد رد القائلون بثبوت التخيير على القائلين بالنسخ بأن التخيير ثابت بهذه الآية.


(١) تفسير آيات الأحكام جـ ٢ ص ١٩٣ لفضيلة الأستاذ محمد علي السايس.

<<  <  ج: ص:  >  >>