أما قوله:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}[المائدة: ٤٩] فهو بيان لكيفية الحكم عند اختياره له ويرى فريق ثالث من العلماء: أن التخيير ورد في المعاهدين الذين ليسوا من أهل الذمة كبني النضير وبني قريظة، فهؤلاء كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- مخيرًا بين أن يحكم بينهم أو أن يعرض عنهم.
وقوله تعالى:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}[المائدة: ٤٩] ورد في أهل الذمة الذين لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وعلى هذا فلا نسخ في الآية.
قال الآلوسي: قال أصحابنا: أهل الذمة محمولون على أحكام الإسلام في البيوع والمواريث وسائر العقود، إلا في بيع الخمر والخنزير، فإنهم يقرون عليه، ويمنعون من الزنا كالمسلمين، ولا يرجمون لأنهم غير محصنين ... واختلف في مناكحتهم. فقال أبو حنيفة: يقرون عليها وخالفه - في بعض ذلك - محمد وزفر. وليس لنا عليهم اعتراض قبل التراضي بأحكامنا، فمتى تراضوا بها وترافعوا إلينا وجب إجراء الأحكام عليهم. وتمام التفصيل في الفروع.
٣ - أخذ العلماء من هذه الآية - أيضًا - أن الحاكم ينفذ حكمه فيما حكم فيه؛ لأن اليهود حكّموا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض قضاياهم، فحكم فيهم بما أنزل الله، ونفذ هذا الحكم عليهم.
٤ - قال بعضهم:"إنه -صلى الله عليه وسلم- قد حكم بينهم بشريعة موسى -عليه السلام- ولكن هذا الحكم كان قبل أن تنزل عليه الحدود. أما الآن وقد أكمل الله الدين، وتقررت الشريعة، فلا يجوز لأي حاكم أن يحكم بغير الأحكام الإسلامية لا فرق بين المسلمين وغيرهم".
هذا، وبعد أن وصف الله تعالى اليهود وأشباههم بجُملة من الصفات القبيحة، وخير رسوله -صلى الله عليه وسلم- بين أن يحكم فيهم بشرع الله وبين أن يعرض عنهم ... بعد كل ذلك أنكر عليهم مسالكهم الخبيثة، وعجب كل عاقل من حالهم فقال تعالى: