للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن القضايا البلاغية التي يعرض لها الشيخ تكرار عبارة ما وإعادتها يقول: قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ} [البقرة: ١٤٩] أعاد سبحانه هذا الأمر ثلاث مرات، وفي كل مرة فائدة زائدة، فعلل الأمر الأول بإكرامه تعالى لرسوله والمؤمنين بالقبلة التي يحبونها ويرضونها، وهي قبلة أبيهم إبراهيم، وعلل الثاني: بما جرت به العادة الإلهية من أن يؤتي أهل كل ملة قبلة، وقد شرع للمؤمن أشرف الجهات التي يعلم أنها حق، وهي بيته المعظم قبلة لهم.

وعلل الثالث بدفع شبه الطاعنين الجاحدين، كأنه تعالى يقول لهم: إلزم هذه القبلة فإنها التي كنت تهواها، ثم يقول: إلزم هذه القبلة، فإنه قبلة الحق لا قبلة الهوى، ثم يقول: إلزم هذه القبلة فإن في ذلك انقطاع حجج الطاعنين (١).

ويتحدث الشيخ عن سر تغاير الأسلوب، ولنستمع إليه عند تفسير قوله تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} [البقرة: ١٧٧] حيث عدل بها من الرفع إلى النصب فيقول: (والصابرين منصوب على المدح بتقدير أخص، وغير سبكه عما قبله، تنبيهًا على فضيلة الصبر وميزته على سائر الأعمال، حتى كأنه ليس من جنس ما قبله، وهذا الضرب من الأسلوب يسمى القطع، وهو أبلغ من الإتباع) (٢).

أما مسائل الإعراب، فعلى الرغم من أن المفسر -رحمه الله- لم يجعلها شغله الشاغل إلا أنه والحق يقال، نبه على كثير مما فيه لبس وخفاء، من ذلك مثلًا ما يقوله في قوله {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ} [الأنعام: ٤٥]: (والهمزة للاستفهام، ورأى بمعنى علم، وتتعدى إلى مفعولين. والتاء ضمير الفاعل، وما بعده حرف خطاب، يدل على اختلاف المخاطب، أتى به للتأكيد. والمفعول الأول المحذوف، تقديره: أغيرَ الله تدعونه لكشفه؟ ! .

ومن ذلك ما قاله عند تفسيره لقوله تعالى: {وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا


(١) (١/ ٥١).
(٢) (٢/ ٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>