ونعم الله على عباده قد تنقلب عليهم شرًّا وبلاء بسبب سوء تصرفهم فيها:
كالمال الذي سماه الله خيرًا في القرآن - يكسبه صاحبه من الوجوه المشروعة، ويتحرى رضا الله في جمعه وتفريقه؛ فيكون خيرًا بذاته وبعمل صاحبه.
ويتصرف فيه بعكس ذلك فيكون شرًّا لا من ذاته، بل من عمل صاحبه.
لم عيب الشر؟
وهذا العالم الإنساني المكلف، هو الذي يتجلى الخير والشر في أعماله، ويتصلان بحياته اتصالًا وثيقًا.
وإنما عيب عليه وقبح منه، لأنه قادر على تمييزه واجتنابه، ومكلف بذلك. وقد وضح له الدين قوانين ثابتة للخير والشر، وأوضح له أن الخير ما نفع، وأن الشر ما أضر. ولكنه وإن أوتي قوة التمييز لم يؤت قوة الاستعصام، ابتداء من الله: فأما المخذول فيأتي الشر عامدًا متعمدًا وهو يعلم أنه شر. وأما الموفق فيواقع الشر في مواقف يشتبه عليه فيها الخير بالشر ويعسر التمييز (١).
والخير والشر لا يوازنان بميزان حسي يستوي الناس كلهم في إدراكه، وقد تدق الفوارق بينهما حتى تخفى.
وفي هذه المواقف يجب الالتجاء إلى الله ليرينا الخير خيرًا، ويكشف لبصائرنا عن حقائق الشر فلا يلتبس علينا شيء بشيء.
وبعد أن يوجه الاضطرار نفوسنا هذا التوجيه الصحيح، تندفع ألسنتنا وتقول: {أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} وبهذا تظهر المناسبة الدقيقة بين (رب والفلق).
المناسبة بين الرب والفلق:
١ - فإن رب الناس ومربيهم وسائقهم إلى ما يكمل وجودهم، هو الذي تنكشف
(١) ولعل في هذا كفاية لبعض المتنطعين، الذين يقولون: مقدر ومكتوب ونحن مجورون مقهورون.