للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جامع الثلاثة:

والجامع بين الثلاثة هو اشتراكها في الخفاء: فإن الغاسق ظلام تخفى فيه الشرور، والنفاثات مبني أمرهن على الإخفاء تخييلًا وإيهامًا، والحسد داء دفين.

فالثلاثة كما ترون شرها خفي، وكل شر يخفى عمله أو يخفى أثره يجل خطبه، ويعظم خطره، فيعسر التوقي منه والاحتياط له، لأنك نتقي ما يظهر ويستعلن، لا ما يخفى ويستتر، لا جرم (١) كانت الثلاثة جديرة بالتخصيص.

ترتيب الثلاثة:

أما نكتة الترتيب: فإن الليل ليس شرًّا في نفسه، ولا الشر من عمله، وإنما هو ظرف للشرور، والعلاقة بين الشيء وظرفه مكينة في النفوس قوية في الاعتبار، مسببة للحكم على أحدهما بحكم الآخر.

بخلاف النفاثات والحساد، فإن الشر من عملهما ومن وصفهما، ولانطباعهما عليه صار ذاتيًا لهما، ولا شك أن الشر الذاتي أمكن من العرضي.

كما أن بين الاثنين تفاوتًا في ذاتيه الشر وقوته، وعسر التوقي منه:

فالنفاثات وإن كن يتحرين إخفاء عملهن، ولكنه مما يمكن ظهوره وافتضاحه - بخلاف الحاسد فإنه يخفي شره ويبالغ، فيظهر بمظهر الخير فشره أشد، والتوقي منه أعسر، ففي الترتيب بين الثلاثة ترق من الأخف إلى الأشد.

ومن جهة أخرى نجد التناسب ظاهرًا بين الثلاثة: الغاسق والنفاثات والحاسد: فإن الجميع ظلام: ظلام الزمن، وظلام السحر، وظلام الحسد.

وفي تقييد الغاسق بالوقوب احتمالان كلاهما صحيح مفيد المراد:

التقييد بالوقوب زمانيًا ومكانيًا:

الأول: أن وقوب الغاسق عبارة عن اعتكار الظلم وتكاثفها، فكأن بعض أجزائها


(١) حقًّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>