تحتاج الأمة المجاهدة إلى قوانين لا بد منها، لتنجح في مهمتها وتنتصر في جهادها. تحتاج إلى الإيمان القوي المتين المرتكز على قواعد ثابتة من روحها وفطرتها المستند إلى نبع فياض من قلبها ووجدانها، وتحتاج إلى قوة مادية يتشكل بها هذا الإيمان فيعرب للناس عن وجوده ويبرهن للخصوم على قوته وثباته.
ومن الناس من ينصرف إلى القوة الروحية في الأمة ويراها كل شيء، ومن الناس من ينصرف إلى المادة وحدها ويرى أنه لا حاجة إلى ما سواها. وكلا النظرتين يرى النهضة من جانب واحد، والمصلح إنما ينظر إليها من كل ناحية: لا بد من الجانب الروحي الذي يستند إلى الإيمان والخلق وهو أول وأولى بالعناية، وهو الدعامة التي تستند عليها القوة المادية. فإذا قويت روح الأمة وأخلاقها. تبع ذلك حتمًا دوام التفكير في وسائل القوة المادية وتلا ذلك التفكير القوة نفسها، فها أنت تسمع قول الله تبارك في نظامه الحكيم الذي وضع لحياة الأمم ونهوضها، فها أنت تسمع قول الله تبارك وتعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرعد: ١١]، إلى جانب قوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال: ٦٠].
وأساس القوة الروحية كما علمت الإيمان بالمثل الأعلى والتفاني في سبيل الوصول إليه، وكلما سما هذا المثل سمت نهضة الأمة، وتوفرت لها وسائل القوة، وأي مثل أسمى من (سبيل الله) الذي تفنى أمامه الماديات والأهواء والمطامع والمنافع الشخصية ولا يجد النفعي ولا الوصولي ولا الدسَّاس ولا المغرض إليه سبيلًا، لهذا كان المثل الذي وضعه القرآن الكريم لأمته وجعله أساس نهضتها الإيمان بالله أولًا، ومن هذا الإيمان:
تستمد الأمة سيادتها في قوله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران: ١١٠].