* {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} والواجب الثالث من واجبات الأمة أن تحتمل التضحيات وتصبر على المشاق في كفاحها ونضالها وأن تستروح روح النصر بالصلاة لما فيها من الصلة بالله - تبارك وتعالى - واستمداد فيضه واستعادة ما فقدته الروح من مضائها وقوتها بهذا النضال.
فالصلاة امتلاء الروح بالقوة المعنوية، والصبر هو المحافظة على هذه القوة واستخدامها بأكبر قدر مستطاع، حتى إذا أضناها الجهد وأمضَّها الجلاد، تجددت مرة أخرى بالصلاة، وهذا تلازم غريب بينهما يدركه من صفت نفسه وقويت روحه.
وفي الصبر وحقيقته وآثاره ومعناه كلام واسع لعلنا نعرض له في كلمة أخرى إن شاء الله، فإذا استعانت الأمة في جهادها بالصبر والصلاة كان الله معها وأدركها نصره وتأييده وظلت في كنفه:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
* {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} وهنا نرى الواجب الرابع من واجبات الأمة وهو واجب هام إن أدته الأمة لم تسقط راية الجهاد من يدها أبدًا، ولم يتطرق إليها الضعف يومًا من الأيام. ذلك الواجب أن تعتبر الأمة التضحية والفداء مغنمًا، لا مغرمًا، ونصرًا لا هزيمة، وتجارة رابحة لن تبور، وأن تعتقد أن الموت في ميدان الشرف هو حياة الخلود، وأن الفناء في سبيل الواجب هو عين البقاء. وهذا المعنى إن تشبعت به الأمة فهي لا شك منصورة مهما كان في سبيلها من عقبات، وانظر إلى الكتيبة الأولى كيف استولت عليها هذه العقيدة فكانت سر نجاحها.
أو لست تَشِمُ بوارق النصر من قول عمير بن الحمام في بدر:
ركضا إلى الله بغير زاد ... إلا التقى وعمل المعاد
أو من رجز الأنصار بين الصفوف:
نحن الذين بايعوا محمدًا ... على الجهاد ما حيينا أبدًا