وغيرهم من أنبياء الله الذين قصَّ الله من نبئهم على رسوله - صلى الله عليه وسلم - عبرة لأولى الباب، وكان ذلك مظنة اعتراض من اليهود على عادتهم في التحريف والعناد، جاءت فاتحة سورة الرعد مؤكدة لكل هذه المعاني فذلك قوله تعالى:{وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} وبذلك ينقطع عليهم سبيل الاعتراض ويتقرر المعنى في نفس القاري والسامع.
ولما كان ختام سورة يوسف قد عرض لحقيقة الدعوة القرآنية وسبيلها في قوله تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}[يوسف: ١٠٨] , مع بيان أن هذه الدعوة ليست بدعًا من دعوات المرسلين، ولا مخالفة لما جاءوا به، وكانت المناسبة تامة بين السورتين، فقد جاء كذلك في ختام سورة الرعد عرض لهذه الدعوة الكريمة في قوله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ}[الرعد: ٣٦] , ثم ذكر بعدها طرفًا آخر من شؤون المرسلين من قبل لبيان أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لم يكن في أحواله بدعًا منهم فقال:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا}[الرعد: ٣٨].
وإذا نظرنا إلى أن سورة يوسف كلها جاءت تفصيلًا لما وقع من ذرية يعقوب وأبنائه عليه السلام، رأينا أن ورود هذه الآية الكريمة في سورة الرعد إجمال في الدليل يتكئ على ذلك، وسيأتي التفصيل، فالمناسبة تامة ولا شك.
وثَمَّ وجوه أخرى من المناسبات يطول بنا الأمر إذا أردنا أن نتقصاها، وسيأتي بعضها خلال التفسير إن شاء الله.
{المر} الكلام في فواتح السور بهذه الحروف الكريمة تقدم مسهبا، واختار صاحب المنار في ذلك أنها أسماء للسور، وقد يُعتَرض على هذا القول بأن ذلك يتجه لو لم يكن لهذه السور أسماء، أما وقد سميت بعد ذلك فما الحكمة في تعدد التسمية؟ .