كما لاحظ الإِسلام بأوضاعه الاقتصادية الدقيقة في الكسب والإنفاق التقريب بين الطبقات بحيث ضاقت الشُقَّةُ بين الثروة والفقر إلى أقصى حد.
فمن حيث الأغنياء: حدد أمامه أبواب الكسب، وفتح لهم أبواب الإنفاق، وفرض عليهم الزكاة وحرم الربا وحيل بينهم وبين مظاهر الترف ولم تعتبر ثروتهم في عرف المجتمع الإِسلامي مظهرًا من مظاهر التميز والاستعلاء، وأنذروا بأشد الوعيد في الدنيا والآخرة إذا لم يؤدوها حق الله والناس في المال.
ومن حيث الفقراء: رفع عنهم معنى النقص الاجتماعي بسبب الفقر وفرض عليهم العمل وفتح أمامهم أبوابه، وجُعِلُوا عند العجز في ضمان الأقرباء أولًا والأغنياء من الأمة ثانيًا، وبيت مال الدولة ثالثًا، وتقرر بالتشريع حقهم المعلوم في أموال الأثرياء، ثم أُلزمت الدولة بعد ذلك بملاحظة هذا التوازن والمبادرة إلى المحافظة عليه كلما عرضت له عوارض الاختلال، ووضعت في يدها كل السلطات التشريعية والتنفيذية اللائقة لإصلاح الحال، وليس بعد ذلك زيادة لمستزيد، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا (١).
ب - وعند قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (٧)} [الرعد: ٧] ذكر الشيخ البنا رحمه الله الآيات الأخرى التي تتفق في المعنى مع هذه الآية، وشرح الآيات كلها شرحًا موضوعيًا جمليًا، فقال:
تشير الآية الكريمة إلى صفة من صفات الكفار وحجة من حججهم الواهية التي يتعللون بها في تكذيب الرسل -صلوات الله عليهم وسلامه- ويحاولون بها التشكيك في صدقهم ويعترضون بها رسالاتهم، وفي الآيتين السابقتين عرض لبعض هذه الحجج فهم يستبعدون البعث بعد الموت وهم يستعجلون العذاب
(١) مجلة الشهاب - السنة الأولى - العدد ٤ في غرة ربيع آخر ١٣٦٧ هـ/ ١٢ فبراير ١٩٤٨ م.