للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

هذه الجملة واقعة موقع التعليل لقوله تعالى: (كتب عليكم الصيام)، والمعنى: فرض عليكم الصيام لتدخلوا في زمرة أهل التقوى، ذلك أن الصيام يكف النفوس عن كثير مما تنزع إليه النفس من خواطر السوء، ويربي فيها ملكة الصبر ومغالبة طغيان الشهوات، ويروضها إلى عمل الخير مقبلة عليه راغبة فيه، وبهذه السيرة يبلغ العاملون أسنى منازل البر والتقوى.

{أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}.

وصف الأيام المفروض صيامها بكونها معدودات، يكنى بذلك عن قلتها ليخفف أمر صيامها متتابعات على المكلف، فيقبل عليه محتملًا مشقته التي لا تزيد على مشاق اعتدا الناس احتمالها للحصول على مآرب من متاع هذه الحياة وزينتها.

{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.

العدة: من العد بمعنى معدود. ولم تقدر الآية المرض الذي يؤذن لصاحبه بالفطر، ولكن المحققين في فهم مقاصد الشريعة حملوه على المرض الذي يلحق صاحبه بالصوم مشقة فوق ما يجده وهو سليم البنية، كمن يخشى تزيّد المرض أو تأخر برئه.

وظاهر الآية أيضًا أن كل ما ينطلق عليه اسم سفر، يبيح الفطر. والذين ينظرون عند تقرير الأحكام إلى حكمة التشريع يرون أن الفطر إنما أبيح للمسافر نظرًا إلى ما يلحقه من المشقة. ولما كانت لا توجد في كل مسافة يتنقل بها الشخص من موضع إقامته إلى مكان آخر، كان مناط الرخصة هو السفر الذي شأنه أن توجد فيه مشقة. وقد اختلف الفقهاء في تقديره، فقدره طائفة من الأئمة بمسير ثلاثة أيام، وقدره آخرون بمسير يوم السير الوسط، فمن أخذ في سفر يقدر بمسير يوم على الدواب السير المعتاد، يباح له الفطر وإن قطع تلك المسافة في زمن أقل من يوم كراكب سيارة أو طائرة. ومعنى الآية: فمن كان منكم مريضًا أو مسافرًا فأفطر فالواجب

<<  <  ج: ص:  >  >>