ذهب بعض أهل العلم إلى أن هذه الآية نزلت عند ابتداء فرض الصيام على وجه الرخصة، فكان الناس مخيّرين بين الصيام والفدية، ثم نسخ التخيير بقوله تعالى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، ورويت آثار صحيحة عن السلف في هذا المعنى. ولعل وجه القول بنسخ هذه الآية هو أن الشارع لم يرد إرغام العباد على الصوم وهم يستكبرون مشقته، ويستصعبون القيام به، فخيرهم بينه وبين الفدية، ولما استبان لهم أن مشقته على المؤمن بحق غير فادحة، وتتابعوا على الصيام مؤثرين له على الفدية، نسخ التخيير الذي تضمنته الآية، وبقيت الآية تتلى ليعرف منها أن الشريعة تأخذ في تشريعها مأخذ الحكمة، وتسلك مسلك التدريج في تقرير الأحكام التي يحتاج المكلف في احتمال مشقتها إلى عزيمة نافذة.
وأنكر آخرون من أهل العلم أن تكون الآية منسوخة وقالوا: الإطاقة في قوله تعالى: (يطيقونه) بمعنى القدرة على الصيام بتكليف شديد، وحملوا قوله تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} على أصحاء يستطيعون الصوم ولكنهم يلاقون فيه مشقة شديدة، وهم الشيوخ والعجائز. وأضاف بعض الأئمة إلى هؤلاء الحامل والمرضع إذا خافتا أن يلحق ولديهما ضرر من الصيام. وقد بينت الآية الفدية بطعام مسكين. ويكفي في تحقيق طعام المسكين المقدار الذي يشبعه في اليوم الواحد.
{فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ}.
التطوع: فعل الشيء على وجه التبرع، والمعنى فمن تطوع فاعلًا خيرًا بأن زاد على القدر المقرر للفدية، فأعطى لمسكين واحد ما يكفيه الجوع أكثر من يوم، أو أطعم مسكينين فأكثر، فما تطوع به معدود عند الله في أعمال الخير التي يجازى صاحبها الجزاء الأوفى.