للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا تكذيب لهم في دعوى أنهم مصلحون، ووصف لهم بالإفساد على أبلغ وجه: فقد افتتحت الجملة بكلمة (ألا) وهي إنما تستعمل لتنبيه المخاطب وإحضار ذهنه لما يرد بعدها من الحديث حتى لا يلقى إليه وهو غير متهيء لسماعه، ووصل (ألا) بإن الدالة على تأكيد الخبر وتحقيقه. وأورد الخبر بعدهما مؤكدًا بوجه من أقوى وجوه التوكيد، وهو تعريف المسند (المفسدون). وتوسط ضمير الفصل (هم) بينه وبين المسند إليه، إذا قال إنهم هم المفسدون ولم يقل إنهم مفسدون، ثم وصفهم بالجهل الفاحش فنفى عنهم الشعور بما يصدر عنهم من الفساد ومن أفظع الجهل أن يكون الرجل مفسدًا ولا يشعر بذلك، مع أن أثر فساده ظاهر في العيان، مرئي لكل ذي حس، فعدم شعورهم بالفساد الواقع منهم منبى باختلال آلات إدراكهم. حتى صاروا يحسبون الفساد صلاحًا، والشر خيرًا.

٢ - {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة: ٢٨].

بعد أن عدد مساوئ أولئك الكافرين، وبيّن ما يصيرون إليه من الخسران في حياتهم العاجلة والآجلة، وجّه إليهم الإنكار والتوبيخ على الوجه المعروف في علم البلاغة باسم "الالتفات" حيث نقل الحديث عنهم من طريق الغيبة إلى طريق الخطاب، فقال: (كيف تكفرون) الخ ..

قوله: (كيف تكفرون) استفهام لا يراد منه استعلام المخاطبين عن حال كفرهم، وإنما يراد منه معنى تكثر تأديته في صورة الاستفهام. وهو الإنكار والتوبيخ، كما تقول لشخص: كيف تؤذي أباك وقد رباك، لا تقصد إلا أن تنكر عليه أذيته لأبيه، وتوبخه عليها.

٣ - وعند قوله {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة: ٦٠] قال:

قوله (مفسدين) حال مؤكدة، والتأكيد يرجع إلى النهي عن العثي، ووجه فصاحة هذا الأسلوب أن المتكلم قد تشتد عنايته بأن يجعل الخبر أو الأمر أو النهي قارًّا في نفس السامع، واقعًا موقعًا لا يحوم به لبس، ومن مظاهر هذه العناية التوكيد،

<<  <  ج: ص:  >  >>