للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحد احتمالات ذكرها ابن هشام في المغني" (١). وما قاله الشيخ -رحمه الله- حري به أن يناقش من جهتين: من جهة المعنى ومن جهة الصناعة:

أما من حيثُ المعنى: فلا فائدة لقوله: {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} أي أن تعطف على ما قبلها، فإذا كان الراسخون في العلم يعلمون تأويله، أفليس من البدهي أن يكونوا ممن آمن به؟ ونحن نعلم أن العطف يقتضي التغاير، ولا تغاير هنا.

وأما من حيث الصناعة: فإن المحققين من العلماء لا يجيزون حذف حروف المعاني، لأن الحذف إنما يذكر اختصارًا، فإذا قلت: قام زيد وعمرو، فإن الحرف هنا يغني عن جملة هي: قام عمرو. وإذا قلت: تقدمت الأمم إلا المسلمين، فإن حرف الاستثناء يغني عن جملة وهي قولنا: أستثني المسلمين، وهذا ما ذهب إليه ابن جني وغيره من المحققين (٢).

أما ما استشهد به الشيخ من الآيات القرآنية، من حذف حرف العطف في سورة (الغاشية) قياسًا على ما جاء في سورتي (القيامة) و (عبس) فليس الأمر كما ذكر -رحمه الله- وإلا فما المانع من ذكر حرف العطف في سورة (الغاشية) كما ذكر في السورتين الكريمتين (٣).

وقضية الحذف هذه لها أثر سلبي في فهم معاني القرآن الكريم، فقد ذهب بعضهم إلى أن قوله سبحانه: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ... } [البقرة: ١٨٠] معطوفة على قوله سبحانه في الآية التي قبلها: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: ١٧٨]. وهو غير مقبول، فللقرآن الكريم أسراره البيانية فيما


(١) أضواء البيان، ١/ ١٩٥ - ١٩٦.
(٢) راجع كتابي: لطائف المنان في دعوى الزيادة والحذف في القرآن. في الحديث عن هذه الآية الكريمة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (٨)} [الغاشية: ٨].
(٣) انظر المرجع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>