للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتصل بالمعنى فيما يذكر وفيما يحذف، وإذا سرنا على هذا المنهج فسنلغي موضوعًا من أهم الموضوعات في كتاب الله والسنّة النبوية واللغة العربية، وهو موضوع (الفصل والوصل) الذي هو أنف البلاغة الذي تعطس منه، جاء في سورة (ق) قوله: {وَقَال قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣)} [ق: ٢٣] ثم بعدها: {قَال قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (٢٧)} [ق: ٢٧]. أفيمكن أن يُقال: إن في الآية الثانية حرفًا محذوفًا، هذا ما لم يجزه أحد (١). وهناك مواضع كثيرة من الآيات القرآنية المتشابهة ذكرت فيها الواو تارةً وحذفت أخرى مثل قوله: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: ٧١]، وقوله: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: ٧٣]، وقوله: {قَالوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٥٣) مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٥٤) قَال هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (١٥٥)} [الشعراء: ١٥٣ - ١٥٥]. وقوله: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالمِينَ (١٨٠) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (١٨٣) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (١٨٤) قَالوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (١٨٦)} [الشعراء: ١٨٠ - ١٨٦]. وهكذا في هذه الآيات وغيرها أغراض تتصل بالمعنى والبيان والتاريخ وغير ذلك. وليت الشيخ اكتفى بما ذكره المحققون العلماء وارتضاه كما ارتضوه.

- وعند قوله تعالى: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (٢) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (٣)} يغلظ الشيخ غلظةً ما كنا نريدها، ويقسو الشيخُ قسوة كنا نربأ به عنها على إمام من أئمة البيان شَهِدَ له حتى خصومُه، يقول صاحب "أضواء البيان" بعد أن نقل كلام صاحب "الكشاف" الزمخشري في أن العطف بالفاء يفيد ترتيبًا لها في


(١) الكشاف، ٤/ ٣٩٠ - ٣٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>