للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفضل، إما أن يكون الفضل للصف ثم للزجر ثم للتلاوة وإما على العكس (١)، أي: إما ان يكون الترتيب تصاعديًا أو تنازليًا، وكلٌّ له سره وغرضه، يعقب الشيخ -رحمه الله- على ذلك فيقول " ... وكلام صاحب الكشاف هذا نقله عنه أبو حيان والقرطبي وغيرهما ولم يتعقبوه، والظاهر أنه كلامٌ لا تحقيق فيه، ويوضح ذلك اعتراف الزمخشري نفسه بأنه لا يدري ما ذكره، هل هو كذا أو على العكس، وذلك صريح في أنه ليس على علم مما يقوله، لأن من جزم بشيء ثم جوّز فيه النقيضين دلَّ ذلك على أنه ليس على علم مما جزم به" (٢).

وإذا كان كلام الزمخشري لا تحقيق فيه، وليس على علمٍ بما قال، فهذا ينسحب كذلك على من نقل عن الزمخشري دون تحقيق وهم كثرٌ. وسامح الله صاحب أضواء البيان ورحمه رحمة واسعة، فما كنا نريد منه مثل هذه الغلظة التي لا تليق بأئمتنا، والحق أن ما ذكره الزمخشري ليس فيه تناقض، فهناك آيات كثيرة في كتاب الله يمكن أن يكون الترتيب فيها تصاعديًا أو تنازليًا، لأن هناك أكثر من جهة في فهم الآية القرآنية، وذلك لا يعد تناقضًا، فإن هنالك اعتبارات واجتهادات تختلف فيها وجهات نظر العلماء. وإذا كان مثل أولئك الأئمة لا يفهمون ما يقولون، وهم النجوم في الظلماء فلمن نُهرع يا ترى؟ !

وما قاله الزمخشري لا غبار عليه من حيث الصناعة ومن حيث المعنى وقد يكون له في القرآن الكريم أمثلة كثيرة. ومن هذه الأمثلة:

ففي سورة النحل يقول تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٢١)} [النحل: ١٢٠، ١٢١].


(١) المصدر السابق، ٤/ ٢٥.
(٢) أضواء البيان، ٦/ ٣٠٣ - ٣٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>