للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: ٤١] قال أبو بكر الجصاص: وهو صفة الخلفاء الراشدين الذين مكنهم الله في الأرض وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم-، وفيه الدلالة الواضحة على صحة إمامتهم لإخبار الله تعالى بأنهم إذا مكنوا في الأرض قاموا بفروض الله عليهم، وقد مكنوا في الأرض فوجب أن يكونوا أئمة قائمين بأوامر الله، مُنتهين عن زواجره ونواهيه، ولا يدخل معاوية في هؤلاء؛ لأن الله إنما وصف بذلك المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم، وليس معاوية من المهاجرين بل هو من الطلقاء [الأحكام ٣/ ٢٤٦]، وما كان أغنى الجصاص عن التنصيص على إخراج معاوية من تلك الأوصاف لولا هوى في نفسه وتعصب لمعتقده، قال الذهبي تعقيبًا على ذلك: "وما كان أولى بصاحبنا أن يترك هذا التحامل على معاوية الصحابي، ويفوض أمره إلى الله ولا يلوي مثل هذه الآيات إلى ميوله وهواه" [التفسير والمفسرون: ٢/ ٤٤٣].

٣ - ومن الإنصاف أن أشكر الكاتب، وأدعو للذهبي بالرحمة، فهذا أمر يستحق الشكر، لكنني قرأت في اليوم نفسه، كتابًا آخر (١)، جاء فيه ما يلي.

"وفي قوله": {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} قال ابن القيم: وفي تفسير علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} قال: الذين يقولون إن الله على كل شيء قدير، وهذا من فقه ابن عباس وعلمه بالتأويل ومعرفته بحقائق الأسماء والصفات، فإن أكثر أهل الكلام لا يوفون هذه الجملة حقها، ولو كانوا يقرون بها، فمنكرو القدر وخلق أفعال العباد لا يقرون بها على وجهها، ومنكرو أفعال الرب القائمة به لا يقرون بها على وجهها، بل يصرحون أنه لا يقدر على فعل يقوم به، ومن لا يقر بأن الله سبحانه كل يوم هو في شأن يفعل ما يشاء، لا يقر بأن الله على كل شيء قدير، ومن لا يقر بأن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء وأنه سبحانه يقلب القلوب حقيقة، وأنه إن شاء أن يقيم القلب أقامه،


(١) فصول في أصول التفسير ص ٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>