للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آياتنا، معرضون عن التفكر في عظمتها، فالعيون مفتحة ولكن لا تبصر الجمال، ولا تفكر فيه حتى تعتبر بما فيه.

{لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى} [الصافات: ٨] أي إن كثيرًا من أولئك الجهّال والشياطين محبوسون في هذه الأرض غائبة أبصارهم عن الملأ الأعلى، لا يفهمون رموز هذه الحياة وعجائبها، ولا ترمي نفوسهَم إلى التطلع إلى تلك العوالم العليا والتأمل في إدراك أسرارها والبحث في سر عظمتها.

{وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (٨) دُحُورًا} [الصافات: ٨ - ٩] أي وقد قذفتهم شهواتهم، وطردتهم من كل جانب، فهم تائهون في سكراتهم، تتخطفهم الأهواء والمطامع والعداوات والإحن، فلا يبصرون ذلك الجمال الذي يشرق للحكماء، ويسهر أنظار العلماء، ويتجلى للنفوس الصافية، ويسحرها بعظمته، وهم ما زالوا يدأبون على معرفة هذا السر حتى ذاقوا حلاوته، فخروا ركعا سجدًا، مذهولين من ذلك الجمال والجلال.

{وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} [الصافات: ٩] أي وأولئك لهم عذاب دائم، بتقصيرهم عن البحث في سر عظمة هذا الكون، والْوصول بذلك إلى عظمة خالقه وبديع قدرته، ثم بيّن من وققهم الله وأنعم عليهم ممن ظفروا بالمعرفة فقال.

{إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات: ١٠] أي إلا من لاحت له بارقة من ذلك الجمال، وعنت له سانحة منه، فتخطفت بصيرته كالشهاب الثاقب، فحن إلى مثلها، وصبت نفسه إلى أختها، وهام بذلك الملكوت العظيم، باحثًا عن سر عظمته ومعرفة كنه جماله، وهم من اصطفاهم الله من عباده، وآتاهم الحكمة من لدنه وأيدهم بروح من عنده، وهم أنبياؤه وأولياؤه، الذين أنعم عليهم من الصديقين والشهداء والصالحين" وفي سورة الملك يقول: (١)


(١) تفسير المراغي ج ٢٩/ ص ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>