"وقصارى القول أن هذه الكواكب - كما هي زينة الدنيا، وأسباب لرزق ذوي الصلاح من الأنبياء والعلماء والحكماء - هي أيضًا سبب لتكون الأرزاق المهيجة لشياطين الإنس والجن، فهذا العالم قد اختلط فيه الضر بالنفع، وأعطى لكل ما استعد له، فالنفوس الفاضلة والنفوس الشريرة، استمدت من هذه المادة المسخرة المقهورة، فصارت سببًا لثواب النفوس الطيية، وعذاب النفوس الخبيثة، وصار لهم فيها رجوم وظنون، إذ هم قد استمدوا شيطنتهم، من مظاهر الطبيعة الناشئة من الحرارة والضوء.
أما عند تفسيره لقول الله تعالى:{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا}[الجن: ٨] فيقول: فمن يستمع الآن يجد له شهابًا رصدا، أي فمن يرم أن يسترق السمع اليوم، يجد له شهابًا رصدًا لا يتخطاه ولا يتعداه بل يهلكه ويمحقه.
وإنا لنؤمن بما جاء في الكتاب الكريم من أن الجن كانوا يسترقون السمع، ومُنعوا من ذلك بعد بعثته -صلى الله عليه وسلم- ولكن لا نعرف كيف كانوا يسترقون السمع، ولا نعرف الحرس الذين منعوهم ولا المراد بالشهب التي كانت رصدًا لهم والجن أجسام نارية فكيف تحترق من الشهب.
ويرى قوم أن مقاعد السمع هي مواضع الشبهة التي يوسوس بها الجن في صدور الناس، ليصدوهم عن اتباع الحق، والحرس - هي الأدلة العقلية التي نصبها سبحانه لهداية عباده، والشهب الأدلة الكونية التي وضعها في الأنفس والآفاق.
وعلى هذا يكون المعنى - أن القرآن الكريم بما نصب من الأدلة العقلية والأدلة الكونية، حرس الدين من تطرق الشبه التي كان الشياطين يوسوسون بها في صدور الزائغين، ويحوكونها في قلوب الضالين، ليمنعوهم من تقبل الدين والاهتداء بهديه، فمن يفكر في إلقاء الشكوك والأوهام في نفوس الناس بعدئذ يجد البراهين التي تقتلعها من جذورها.