للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسليقة. وإن أجادوها علمًا وصنعة" (١).

وهكذا تجعل صاحبة التفسير البياني -رحمها الله- القارئ في متاهة من كثرة ما تورده من أقوال حق على ذي التفسير البياني أن يتجنبها وهذا هو دأبها.

وقد تأتي باللفتة البيانية مبينة جدتها، زاعمة أن المفسرين لم ينتبهوا لها مثال ذلك عند قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}، في سر التعبير بالجار والمجرور ترى أن المفسرين القدامى لم يتنبهوا لهذا السر البلاغي وترى أنه جاء للتقرير والتأكيد وتقوية الصلة (٢) ولعل هذا ما لحظه الشيخ محمد عبده.

وفي تفسير قول الله تعالى ... {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} تدعي أن أحدًا من المفسرين لم يتنبه لسر التعبير بكلمة "زرتم".

ولا أود أن أحيل القارئ على ما كتبه الشيخ محمد عبده في تفسيره هذه الآيات لكني أنقل ما قاله المفسرون القدامى، حتى يدرك القارئ إدراكًا جازمًا أنّ أئمتنا رحمهم الله- كانوا يقفون مع كل كلمة من كلمات هذا القرآن مبينين جمال موقعها وأصالتها في موضعها، وما تحدثه في العقل والنفس وما لها من إيقاع وجَرْس، ورحم الله الإمام الأندلسي ابن عطية إذ يقول: إنك لو أدرت لسان العرب كله على أن تأتي بكلمة مكان كلمة في كتاب الله ما استطعت إلى ذلك سبيلا.

يقول العلامة أبو السعود عند قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} وزيادة الجار والمجرور مع توسيطه بين الفعل ومفعوله، للإيذان من أول الأمر، بأن الشرح من منافعه عليه الصلاة والسلام ومصالحه مسارعة إلى إدخال المسرة في قلبه الشريف -صلى الله عليه وسلم-، وتشريفًا له عليه الصلاة والسلام إلى ما يعقبه ليتمكن عنده وقت وروده فضل تمكن" (٣).


(١) المرجع السابق، ص ٤٢.
(٢) المرجع السابق، ص ٦٥.
(٣) إرشاد العقل السليم ج ٥ ص ٢٧٥، مطبعة محمد عبد اللطيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>