للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التأويلات الفلسفية والإشارية -في مثل ما نقرأ في تفاسير الفخر الرازي والنيسابوري والطبري والشيخ محمد عبده- ما لا نتصور أن هذه الواو يمكن أن تحمله من قريب أو بعيد. مع ملاحظة أن البيان القرآني يلفت إلى آيتي الليل والنهار، أو الشمس والقمر بغير القسم، فيفهمها الناس بأيسر تنبه كالذي في آيتي القصص:

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٧٢)} (١) [القصص: ٧١ - ٧٢].

" ... من هنا كان وقوفي أمام هذه الظاهرة الأسلوبية في البيان القرآني، لعلي أجتلي من سرها البياني ما أضيفه إلى فكرة الإعظام التي سيطرت وحدها على كل من قرات لهم من المفسرين والبلاغيين.

والذي اطمأننت إليه بعد طول التدبر في الآيات المستهلة بالواو هو أن هذه الواو قد خرجت عن أصل معناها اللغوي الأول في القسم للتعظيم إلى معنى بلاغي، وهو اللفت بإثارة بالغة إلى حسيّات مدركة لا تحتمل أن تكون موضع جدل ومماراة، توطئة أيضًا حية لبيان معنويات يماري فيها، أو تقرير غيبيات لا تقع في نطاق الحسيات والمدركات" (٢).

" ... ولعل السلف الصالح من المفسرين ما فاتهم هذا الملحظ البياني إلا لأن علماء البلاغة قد عرفوا خروج الخبر والاستفهام والأمر والنهي عن معانيها الأولى في أصل اللغة، إلى معان بلاغية نصوا عليها في كتب البلاغة المدرسية، ثم لم يشيروا إلى خروج القسم عن معناه الأول فكان ما كان من اعتساف التأويل للآيات


(١) ص ٢٢٩.
(٢) ص ٢٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>