للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبدوءة بواو القسم لتظل كما أراد لها علماء البلاغة، على أصل معناها اللغوي لا تخرج عنه إلى معنى بلاغي ... " (١).

ولنستمع إليها عند تفسير سورة "والنازعات" "وأمام ذلك من أسلوب القرآن في اللفت بالواو إلى مادي مدرك لا نستطيع أن نطمئن إلى تفسير "النازعات، بما اطمأن إليه أكثر المفسرين من أنها الملائكة تنزع الأرواح، إذ ليست الملائكة في نزعها للأرواح، وسبقها إلى تدبير أمر الله ممّا يدخل في نطاق الحسيات المدركة التي لا موضع فيها لجدل من المشركين أو مماراة، كما يبدو مستبعدًا في رأينا أن يلفت إليها القرآن للاستدلال على البعث، إذ لو أنهم كانوا يؤمنون بملائكة تنزع الأرواح وتدبر شؤون الكون بأمر الله لصدقوا بالبعث واليوم الآخر.

ونحن أكثر اطمئنانًا إلى تفسير النازعات بالخيل المغيرة" (٢).

وأحبُّ أن أؤكد أن كثيرًا من المفسرين (٣) وقد تحدثوا عن سرّ القسم في كتاب الله لم يحصروا ذلك في تعظيم المقسم به وإنما بينوا حكمًا كثيرة تناسب كل واحد من هذه المخلوقات التي أقسم بها سبحانه، وقد تكون تلك الحكمة توجيه الأنظار، وقد تكون التنبيه على خطأ قد وقع فيه المخاطبون، يقول الإمام الشيخ محمد عبده رحمه الله في تفسير قوله {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا}: "إذا رجعت إلى جميع ما أقسم الله به وجدته إما شيئًا أنكره بعض الناس، أو احتقره لغفلته عن فائدته، أو ذهل عن موضع العبرة فيه، وعمى عن حكمة الله في خلقه، أو انعكس عليه الرأي في أمره فاعتقد فيه غير الحق الذي قدر الله شأنه عليه؛ فيقسم الله إما لتقرير وجوده في عقل من ينكره، أو تعظيم شأنه في نفس من يحتقره أو تنبيه الشعور إلى ما فيه عند من لا يذكره، أو لقلب الاعتقاد في قلب من أضله الوهم، أو خانه الفهم" (٤) أهـ.


(١) ص ٢٣٣ - ٢٣٤.
(٢) التفسير البياني ص ٤٠٨.
(٣) المعنى البلاغي الذي قصرت الواو عليه لا يتعارض مع ما قاله المفسرون البلاغيون.
(٤) تفسير جزء تبارك للشيخ عبد القادر المغربي ص ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>