للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما كتبه الإمام الزمخشري في مقدمة كشافه.

قال رحمه الله:

"ثم إنّ أملأ العلوم بما يغمر القرائح وأنهضها بما يبهر الألباب القوارح, من غرائب نكت يلطف مسلكها، ومستودعات أسرار يدق سلكها -علم التفسير الذي لا يتم لتعاطيه وإجالة النظر فيه كل ذي علم- كما ذكر الجاحظ في كتاب نظم القرآن، فالفقيه وإن برز على الأقران في علم الفتاوى والأحكام، والمتكلم وإن بزّ أهل الدنيا في صناعة الكلام، وحافظ القصص والأخبار وإن كان من ابن القرية أحفظ، والواعظ وإن كان من الحسن البصري أوعَظ، والنحوي وإن كان أنحى من سيبويه، واللغوي وإن علك اللغات بقوّة لحييه -لا يتصدّى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق، ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق إلّا رجلٌ قد برع في علمين مختصين بالقرآن هما علم المعاني وعلم البيان وتمهل في ارتيادهما آونة، وتعب في التنقير عنهما أزمنة، وبعثته على تتبع مظانهما همّة في معرفة لطائف حجة الله وحرصٌ على استيضاح معجزة رسول الله، بعد أن يكون آخذًا من سائر العلوم بحظّ، جامعًا بين أمرين تحقيق وحفظ، كثير المطالعات طويل المراجعات، قد رَجَعَ زمانًا ورُجِع إليه، وردَّ ورُدَّ عليه، فارسًا في علم الإعراب، مقدَّمًا في حملة الكتاب، وكان مع ذلك مسترسل الطبيعة مُنقادَها، مشتعلَ القريحة وقّادها، يقظان الحسّ درّاكًا للّمحة وإن لطف شأنها منتبهًا على الرمزة وإن خفي مكانها، لا كزًّا جاسيًا، ولا غليظًا جافيًا، متصرفًا ذا دراية بأساليب النظم والنثر مرتاضًا غير ريِّض (١) بتلقيح بنات الفكر، قد عرف كيف يرتّبُ الكلام ويؤلَّف، وكيف يُنظَمُ ويُرصَف، طالما دفع إلى مضايقه ووقع في مداحضه ومزالقه" (٢).

وقال الشاطبي -رحمه الله- في الموافقات:


(١) جاء في الصحاح: "ناقة ريض": أول ما ريضت وهي صعبة بعد.
(٢) ينظر: الكشاف ج (١) المقدمة صفحة (ن - س).

<<  <  ج: ص:  >  >>