للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"فكل ما كان من المعاني العربية التي لا ينبني فهم القرآن إلا عليها فهو داخل تحت الظاهر، فالمسائل البيانية والمنازع البلاغية لا معدل بها عن ظاهر القرآن، فإذا فهم الفرق بين (ضيّق) في قوله تعالى: {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: ١٢٥] وبين (ضائق) في قوله تعالى: {وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} [هود: ١٢] , والفرق. بين النداء بيا أيها الذين آمنوا أو يا أيها الذين كفروا، وبين النداء بيا أيها الناس أو بيا بني آدم، والفرق بين ترك العطف في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ} [البقرة: ٦] والعطف في قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: ٦] وكلاهما قد تقدم عليه وصف المؤمنين والفرق بين تركه أيضًا في قوله: {مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [الشعراء: ١٥٤] وبين الآية الأخرى {وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [الشعراء: ١٨٦] والفرق بين الرفع في قوله: {قَال سَلَامٌ} [الذاريات: ٢٥] والنصب فيما قبله من قوله {قَالوا سَلَامًا} والفرق بين الإتيان بالفعل في التذكر من قوله {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا} [الأعراف: ٢٠١] وبين الإتيان باسم الفاعل في الإبصار من قوله: {فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} أو فهم الفرق بين (إذا) و (إن) في قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} [الأعراف: ١٣١] وبين "جاءتهم" و"تصبهم" بالماضي مع إذا، والمستقبل مع إن، وكذلك قوله: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: ٣٦] مع إتيانه بقوله "فرحوا" بعد (إذا) و {يَقْنَطُونَ} بعد "إن"، وأشباه ذلك من الأمور المعتبرة عند متأخري أهل البيان -فإذا حصل فهم ذلك كله على ترتيبه في اللسان العربي فقد حصل فهم ظاهر القرآن" (١).

وفي كلام هذين العلَميْن المبدعَيْن -رحمهما الله- دلالةٌ لا يرتاب فيها أحد على ما للعربية من أثر في فهم القرآن الكريم ودعوة صريحة للعناية بشأن هذه اللغة


(١) الموافقات: ٣/ ٣٨٦ - ٣٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>