لغةِ القرآن الكريم وتطبيقًا على ما ذكراه أسوق الأمثلة الآتية:
١ - في مجال التقديم والتأخير نقرأ قول الله تعالى:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء: ٨٨] فلقد قُدِّم الإنس هنا لأنّ المقام مقام تحدٍّ وهم المعنيون به.
ونقرأ قوله تعالى:{يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ}[الرحمن: ٣٣] ولما كان الجنّ أقدر على الحركة والتشكل قدّموا على الإنس في هذه الآية الكريمة.
ونقرأ قول الله تعالى في سورة البقرة:{وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}[البقرة: ٢٨٤] حيث قُدّمت هنا الأعمال الظاهرة للإنسان. لكننا نقرأ في سورة آل عمران:{قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ}[آل عمران: ٢٩] فقد قُدّم هنا ما يخفيه الإنسان على ما يبديه. وما ذلك إلّا لأن الآية الكريمة جاءت في سياق موالاة غير المؤمنين، وهي من الأعمال التي لا يحبّ الموالون لغير المؤمنين إظهارها، بل تكون سرًّا بينهم وبين أعداء الله.
٢ - وفي مجال العطف وتركه نقرأ قول الله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة-: ٥ - ٦]. حيث عطفت الجملة الثانية {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} على التي قبلها وتُركت الجملة الثالثة {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} بلا عطف على حين نقرأ قول الله تعالى في سورة الأعراف {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} ونقرأ قول الله تعالى في سورة الانفطار {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} حيث جاء العطف بين هذه الجمل. وذلك كله إنما جاء من أجل دقّة المعنى الذي يقصد إليه القرآن (١).