للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل إليهما معًا، ومن هنا فقد لقي من العنت عليه السلام ما لقي، فجاء التعبير القرآني هكذا ليعطي هذا المعنى النفيس، وهذه الدرر الغالية.

* الآية الخامسة عشرة:

قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الآية: ٥٢].

والتمني على ما قال أبو مسلم: نهاية التقدير، ومنه المنيَّة وفاة الإنسان للوقت الذي قدره الله تعالى. والأمنية كما قال الراغب: الصورة الحاصلة في النفس من التمني، وقال بعضهم التمني القراءة، وكذا الأمنية.

وقد ربط بعض المفسرين بين هذه الآية وقصة الغرانيق، وفسروا التمني في الآية بالقراءة، وقصة الغرانيق ملخصها أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ سورة النجم عند الكعبة، فلما بلغ قوله سبحانه: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (٢٠)} [النجم: ١٩ - ٢٠] ألقى الشيطان في كلامه: (وإنها لهي الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى) ففرح المشركون بهذا الوصف لهذه الأصنام الثلاثة اللات والعزى ومناة، ووصفها بالغرانيق العلى، وبأن شفاعتها ترتجى، فلما بلغ آخر السورة وهي قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: ٦٢] سجد، فسجد المؤمنون والمشركون معه جميعًا.

وهذه الرواية يجعلونها تفسيرًا للآية الكريمة: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ ... } ولقد وقف الأئمة قديمًا وحديثًا من هذه القصة موقف التمحيص وبينوا فسادها من جهة النقل ومن جهة العقل:

- أمّا من جهة النقل، فإن هذه الرواية لم ترو في كتب السنة المعتد بها بأسانيد صحيحة أو مقبولة، ولا عبرة في نقلها من قبل بعض القصاص والمفسّرين الذين يولعون بنقل الأقاصيص والحكايات الغريمة دون تمحيص أو تثبت.

<<  <  ج: ص:  >  >>