للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما من جهة العقل، فأولًا: إن هذا لو صح لتمسك به المشركون أعداء الإسلام في ذلك الوقت، ولكان له ردة فعل سيئة عند بعض المسلمين.

ثانيًا: إن كلمة الغرانيق مما لم يستعمله العرب وصفًا لآلهتهم شعرًا أو نثرًا، مما يجعلنا نجزم أن هذه الفرية لفقت فيما بعد.

ثالثًا: إن ما قبل هذه الآية وما بعدها فيه موقف حازم من قضية الأصنام، ومن أنها تخلق مجردة من الحياة: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ} [النحل: ٢١] فأي عاقل، بل أي عقل يمكن أن يصدق بهذه الحكاية التي ودت بحزم في جميع آي القرآن؟

رابعًا: إن شخصية النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت شخصية متوازنة كل التوازن، وبخاصة في قضايا الوحي، وقد عُرضت عليه حوادث لم يقطع ميها حتى نزل عليه الوحي، وإذا اجتهد في بعض هذه الحوادث كان ينزل عليه الوحي ليصحح له ويبين وجهة الحق؛ كما في قصة المجادلة.

خامسًا: هذه العبارة (عبارة الغرانيق) إما أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قالها، وإما أن يكون الشيطان هو الذي نطق بها كما تحكي الروايات، وكلتا الروايتين مرفوضة، أما الاحتمال الأول فلأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نفسه كما جاء في مواضع كثيرة من القرآن لا يملك لنفسه شيئًا، ولو شاء الله ما تلا شيئًا من هذا القرآن قال الله تعالى: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ} [يونس: ١٦] بل إن القرآن نفسه يقرر أنه رحمة وفضل من الله، وأنهم يكادون يفتنونه عن بعض ما أوحي إليه، ولكن الله يثبته قال الله مبينًا ذلك: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} [الإسراء: ٧٣].

أما الاحتمال الثاني فهو أكثر بعدًا عن المنطق والواقع، فالقرآن بعيد أن يحوم حوله شيطان فالقارئ أول ما يقرأ القرآن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وهم لا يستطيعون ذلك أبدًا، والقرآن يبين هذه الحقيقة واضحة قال تعالى: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (٢١٠) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء: ٢١٠ - ٢١٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>