للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخيرًا فإن هذه الأحدوثة لم تعرف إلا في زمن متأخر، ويمكن الجزم بأنها من وضع الزنادقة في عصر متأخر، إن ما ادعوه مناف كل المنافاة لعصمة الأنبياء، والعصمة من المبادئ البدهية التي يتفق عليها العقل والنقل على السواء. ثم هي مختلفة الاختلاف كله عن البيان القرآني، ويدل على ذلك تلك الروايات المضطربة الظالمة فتارة يقولون: وهي الغرانيق العلى وتارة: الغرانقة العلى. وتارة شفاعتهن لترتجى، ولا ندري كيف يمكن أن يجمع بين قوله سبحانه: {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (٢٢) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا} [النجم: ٢٢ - ٢٣] وبين هذه الفرية فكيف ترتجى شفاعة هذه الأحجار، وما هي إلا أسماء بدون مسميات ما أنزل الله بها من سلطان! (١).

* الآية السادسة عشرة: قال تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} [الحج: ٥٦].

أي السلطان القاهر والاستيلاء التام والتصرف المطلق لله وحده بلا شريك.

"يَوْمَئِذٍ" قال الزمخشري، هذا التنوين عوض عن جملة، فهو يدل على غاية زوال المرية فتقدير الجملة: الملك يومئذْ تزول مريتهم (٢) ويؤمنون، لأنهم ما داموا في مرية في الدنيا فستزول هذه المرية يوم القيامة، ويؤمنون، ولن ينفعهم إيمانهم.

ولكن أبا السعود لم يقبل قول الزمخشري، وجعل التنوين عوضًا عن شيء آخر هو الساعة، التي هي مدار الحكم، فالحديث يدور على إتيان الساعة وظهور الملك الحق لله عز وجل، والمعنى: يومئذْ تأتي الساعة، ويثيب الله الطائعين ويعاقب العاصين.

قال أبو السعود: (وليس التنوين نائبًا عما تدل عليه الغاية من زوال مريتهم كما قيل، ولا عما يستلزمه ذلك من إيمانهم كما قيل، كما أن القيد المعتبر مع اليوم


(١) راجع كتابنا قضايا قرآنية في الموسوعة البريطانية نقض ورد ص (٣١٤).
(٢) فالآية السابقة: {وَلَا يَزَال الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ} [الحج: ٥٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>