للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هذه اللطائف كذلك أن بعض الكلمات تذكر متصاحبة مع غيرها لا تكاد تفترق مثل الصلاة والزكاة، والجوع والخوف، والجنة والنار، والرغبة والرهبة، والمهاجرين والأنصار، والجن والإنس (١).

فإذا تركنا حديث الألفاظ فإننا نجد حديث الجاحظ عن الصورة البيانية في القرآن حديثًا متعدد الأمثلة متنوع التطبيق، ومن أمثلته ما ذكره تفسيرًا لقول الله عز وجل عن شجرة الزقوم {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} إذ قال في سداد وتوفيق (٢):

(زعم ناس أن رؤوس الشياطين ثمر شجرة تكون ببلاد اليمن لها منظر كريه، والمتكلمون لا يعرفون هذا التفسير، وقالوا ما عنى إلا رؤوس الشياطين المعروفين بهذا الاسم من فسقة الجن ومردتهم، فقال أهل الطعن والخلاف ليس يجوز أن يضرب المثل بشيء لم نره فنتوهمه، ولا وصفت لنا صورته في كتاب ناطق او خبر صادق، ومخرج الكلام يدلّ على التخويف بتلك الصورة والتفزيع منها وعلى أنه لو كان شيء أبلغ في الزجز من ذلك لذكره، فكيف يكون الشأن كذلك والناس لا يفزعون إلا من شيء هائل شنيع قد عاينوه، أو صوّره لهم واصف صدوق اللسان بليغ في الوصف، ونحن لم نعاينها ولا صورها لنا صادق، وعلى أن أكثر الناس من هذه الأمم التي تعايش أهل الكتابين وحملة القرآن من المسلمين ولم تسمع الاختلاف لا يتوهمون ذلك ولا يقفون عليه، ولا يفزعون منه فكيف يكون ذلك وعيدًا عامًّا؟ قلنا وإن كنا نحن لم نر صورتها قط ولا صوّر رؤوسها لنا صادق بيده ففى إجماعهم على ضرب المثل بقبح الشيطان حتى صاروا يضعون ذلك في مكانين أحدهما أن يقولوا لهو أقبح من الشيطان، والوجه الآخر أن يسمَّى الجميل شيطانًا على جهة التطير له كما تسمى الفرس الكريمة شوهاء، والمرأة الجميلة صماء قرناء


(١) البيان والتبيين طبعة هارون جـ ١ ص ٢١.
(٢) الحيوان جـ ٦ ص ٢١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>