وخنساء وجرباء وأشباه ذلك على جهة التطير له، ففي إجماع المسلمين والعرب وكل من لاقينا، على ضرب المثل بقبح الشيطان دليل على أنه في الحقيقة أقبح من كل قبيح) (١) ولإدراك الجمال في هذا القول نذكر أن الشبهة التي وجهتا إلى الآية الكريمة تتلخص في أن تشبيه الشجرة برؤوس الشياطين لا يعطي انطباعًا ساطعًا تتضح به الصورة، لأن المشبه به مجهول لدى المخاطب، فكيف إذن يشبه معلوم بمجهول في منطق المتسائلين؟
وأذكر أن سؤالًا يدور حول هذه الآية، قيل إن أبا عبيدة قد أجاب عنه، وكان سببًا في تأليفه (مجاز القرآن) ولم أمل إلى تصديقه، وعلى فرض أن أبا عبيدة قده أجاب بأن العرب يستهولون الشيطان فتحدث القرآن عنه بما يدركون فإن إجابة الجاحظ إذا قورنت بإجابة أبي عبيدة تظهر الفرق الواضح بين إيجاز العالم وخيال الأديب المصوّر، لقد بدأ صاحب الحيوان فصوّر الاعتراض تصويرًا قويًّا نفاذًا لا يبلغه المعتوضون أنفسهم إذا قالوا عن ذواتهم حتى إذا أتضح للقارئ أتم اتضاح أتبعه بالرد المشبع المقنع ملتمسًا وسائل الإقناع بالمثل الشاهد والقول المتعارف لينتهي إلى أن الرؤية ليست كل شيء في دنيا التشبيه المبين، فللشعور النفسي اعتباره الأول، وفي أطوائه يكمن التأثير الوجداني المنشود، وتلك مسألة تلقفها البلاغيون بعد الجاحظ فذهبوا بها إلى أبعد الأشواط وتورط الذهنيون منهم في تمحل أمثلة مصنوعة تجعل التشبيه تارة بين مشبه عقلي ومشبه به حسّي وتارة على العكس من ذلك، وليتهم تركوا افتعال الشواهد إلى ما نطق به الأصلاء من ذوي البيان، بل ليتهم اهتموا بالبسط الأدبي اهتمام الجاحظ به إذا يُريحون وينفعون.
نتحدث عن البسط الأدبي في مجال الاعتراض والرّد معًا لننصف الجاحظ من فرية ظالمة حاول ابن قتيبة أن يقذفه بها لحاجة في نفسه، فقد زعم أن الجاحظ