وسنذكر مسألة كلامية، وإنما نذكرها لكثرة من يعترض في هذا ممّن ليس له علم بالكلام، ولو كان أعلم الناس باللغة لم ينفعك في باب الدين حتى يكون عالمًا بالكلام، وقد اعترض معترضون في قوله عز وجل {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [الأعراف: ١٧٥ - ١٧٦] فزعموا أن هذا المثل لا يجوز أن يُضرب لهذا المذكور في صدر هذا الكلام لأنه قال {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} فما يشبه حال من أعطى شيئًا فلم يقبله ولم يذكر غير ذلك بالكلب الذي إن حملت عليه نبح وولى ذاهبًا وإن تركته شد عليك ونبح، مع أن قوله يلهث، لم يقع موقعه، وإنما يلهث الكلب من عطش شديد وحرّ شديد ومن تعب، وأما النباح والصياح فمن شيء آخر، قلت له إن قال:{ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} فقد يستقيم أن يكون المراد لا يسمى مكذبا، ولا يقال لهم كذبوا إلّا وقد كان ذلك منهم مرارًا، فإن لم يكن ذلك فليس ببعيد أن يشبه الذي أوتي الآيات والأعاجيب والبرهانات والكرامات في بدء حرصه عليها، وطلبه له بالكلب في حرصه وطلبه، فإن الكلب يعطي الجد والجهد من نفسه في كل حالة من الحالات، وشبه رفضه وقذفه لها من يديه وردّه لها بعد الحرص عليها وفرط الرغبة فيها بالكلب إذا رجع ينبح بعد إطرادك له، وواجب أن يكون رفض قبول الأشياء الخطيرة النفيسة في وزن طلبها الحرص عليها والكلب إذا اتبع نفسه في شدة النباح مقبلًا إليك ومدبرًا عنك لهث واعتراه ما يعتريه عند التعب والعطش، على أننا ما نرمي بأبصارنا إلى كلابنا وهي رابضة وادعة، إلّا وهي تلهث من غير أن تكون هناك إلا حرارة أجوافها، والذي طبعت عليه من شأنها، إلّا أن لهث الكلب يختلف بالشدة واللين).
فالاعتراض هنا يتوجه إلى التشبيه إذ ظن صاحبه أنه غير دقيق محكم في بابه،