جدبه منها الطاعنون، فأحببت أن أنضح عن كتاب الله، وأرمى من ورائه بالحجج النيرة، والبراهين البينة وأكشف للناس ما يلبسون".
وإذن فقد وجهت للقرآن مطاعن قذف بها الزنادقة وأرباب المرض من منتحلي الثقافة والعلم فلبسوا على العامة بما يزعمونه من التناقض ووقوع اللحن، وعدم التوافق بين الشرط والجزاء، والذهاب بالمجاز والكناية إلى معان حقيقية لا يشهد بها السياق ثم الوقوف عند المتشابه، وما جاء مكررًا من المعاني مما يحسبون أن القرآن في ذلك كله قد خرج على الأسلوب العربي فيه، وهي أراجيف تجد صداها لدى البعيدين عن أسرار البيان، ودقائق البلاغة التي يعرفها الأصلاء من العرب عن طبع خالص، فجرت ألسنتهم نثرًا وشعرًا يمثل ما جرى به القرآن في منحاه التعبيري وإن ارتفع القرآن بمستواه البياني إلى أفق لا تشرئب إليه الأعناق فكان من هم ابن قتيبة أن يثبت أن الأسلوب القرآني يطرد مع النسق البياني لدى العرب إيجازًا وحذفًا وتشبيهًا واستعارة وكناية وتقديمًا وتأخيرًا، وأن ما يرجف به المغرضون لغو لا يقره مَنْ درس مذاهب العرب في القول، ومناحيها في البيان، وهو لذلك يقدم الباب الأول من كتابه بقوله (١):
"وإنما يعرف فضل القرآن من كثر نظره واتسع علمه، وفهم مذاهب العرب وافتنانها في الأساليب، وما خصّ الله به لغتها دون جميع اللغات فإنه ليس في جميع الأمم أمة أوتيت من العارضة والبيان واتساع المجال ما أوتيه العرب خِصِّيصي من الله لما أرهصه في الرسول، وأرداه من إقامة الدليل على نبوّته بالكتاب، فجعله علمه كما جعل علم كل نبي من المرسلين من أشبه الأمور بما في زمانه المبعوث فيه" إلى أن يقول:
"وللعرب المجازات في الكلام، ومعناها طرق القول ومأخذه ففيها الاستعارة والتمثيل، والقلب والتقديم والتأخير والحذف والتكرار والإخفاء والإظهار