للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعريض والإفصاح والكناية والإيضاح ومخاطبة الواحد مخاطبة الجمع، والجمع خطاب الواحد، والواحد والجمع خطاب الاثنين والقصد بلفظ الخصوص لمعنى العموم، وبلفظ العموم لمعنى الخصوص مع أشياء كثيرة ستراها في أبواب المجاز إن شاء الله تعالى، وبكل هذه المذاهب نزل القرآن (١) ".

وإذن فقد وضح مقصد المؤلف من كتابه! إنه الرد على من يجهلون الأسرار البيانية للأسلوب العربي فيرجفون ببعض الآيات القرآنية إرجافًا يصغى إليه الجهلاء ويعرض عنه العلماء! ولا بد من دفاع مجيد عن الحق يقوم به أديب متمكن النظر، قوى اللمح، وهو ما نهض صاحب التأويل به في مؤلفه الحاسم فلتتابعه في بعض مراحل الطريق.

عدّد المؤلف مطاعن الناقدين فيما اعتلوا به في وجوه الاختلاف في القراءات وفي بعض ما يتوهم من اللحن النحوي فكتب فصلين قويين بدّد فيهما كل شبهة بما سطع به من حق منير، وسنتجاوزهما إلى غيرهما لبعدهما بعض البعد عمّا نعالجه من التفسير البياني، فإذا اتجهنا إلى باب التناقض والاختلاف فسنجد لوامع ساطعة من المنحى البلاغي في الشرح والتأويل تدل على نفاذ وعمق نعهدهما لدى المؤلف في كثير مما كتب، وقد أوضح الحديث عن المتشابه إيضاحًا بالغ الجودة، فبدأ القول مدافعًا عن دقة القرآن حين يعمد إلى ما يخاله الجاهل غموضًا، وما هو إلّا تفنن في البيان لا يكشف به وجه القول لكل ناظر، بل لمن تمرّس بالأسلوب البياني وعرف منحاه ومأتاه، وقد أفصح عن ذلك بقوله (٢):

"وأما قولهم ماذا أراد بإنزال المتشابه في القرآن مَنْ أراد بالقرآن لعباده الهدى والتبيان، فالجواب عنه أن القرآن نزل بألفاظ العرب ومعانيها، ومذاهبها في الإيجاز والاختصار والإطالة والتوكيد والإشارة إلى الشيء وإغماض بعض المعاني حتى لا


(١) ص ١٦ من التأويل.
(٢) التأويل ص ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>