نقابه! وحينئذ لا يعتبر متشابهًا إلّا لدى القاصرين المتحيرين، وإذن فما يسمى بالتشابه قد جاء في القرآن لأنه أحد لوازم التعبير الأدبي لا يتخلّى عنه أدب مبين، وقد امتلأ به حديث رسول الله وصحابته، وضرب المؤلف عليه شتى الأمثلة الرائعة من أقوال الشاعرين والناثرين.
وإذا خالفنا ابن قتيبة في رأيه ذلك فإننا نقدّر رأيه القوى في إدراك ذوي العلم للمتشابه حين قال في حجاج سديد (١).
"ولسنا ممن يزعم أن المتشابه في القرآن لا يعلمه الراسخون في العلم، وهذا غلط من متأوليه على اللغة والمعنى، ولم ينزل الله شيئًا من القرآن إلا لينفع عباده، ويدل به على معنى أراده، فلو كان المتشابه لا يعلمه غيره للزمنا للطاعن مقال وتعلق علينا بعلّة وهل يجوز لأحد أن يقول أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يعرف المتشابه، وإذا جاز أن يعرف مع قوله تعالى {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} جاز أن يعرفه الربانيون من صحابته فقد علم عليًّا التفسير ودعا لابن عباس فقال اللهم علمه التأويل وفقهه في الدين ... حدثني محمد بن عبد العزيز عن موسى بن مسعود عن شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال تعلمونه وتقولون آمنا به، ولو لم يكن للراسخين في العلم حظ في المتشابه إلا أن يقولوا {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} لم يكن للراسخين فضل على المتعلمين، بل على جهلة المسلمين، لأنهم جميعًا يقولون {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}.
هذا قول جيد وأنا أراه من زاويتي الشخصية يدل على أن المتشابه ممّا لا سبيل إلى الابتعاد عنه ما دامت أوجه تنكشف لذوي البصيرة، ويتولون شرحه وتفسيره، حيث أنه من طبيعة كل لغة تتفتح ألفاظها عن مشتركات المعاني، وما كان للقرآن أن يحيد عنه وقد جاء بلسان عربي مبين ينحو منحى العرب في التعبير، وهل يظن ابن قتيبة -ومن وافقه على رأيه- أن من استشهد بهم من الشعراء والناثرين كانوا يأتون