للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتشابه كيلا يستوي في معرفة أسلوبهم العالم والجاهل! إن كل أديب يتمنى في أعماقه أن يقرأه الناس جميعًا صغارًا وكبارًا نابهين وخاملين متفوقين ومتواضعين! فما ظنك بكتاب يسّره الله للذكر، وأنزله بلسان عربي مبين! .

فإذا تركنا باب المتشابه إلى ما تلاه من القول عن (المجاز) نجد ابن قتيبة قد أحسن الاستشهاد بأمثلة رائعة من كتاب الله، وقد خصّ المجاز ببعض التفصيل إذ من جهته غلط كثير من الناس في التأويل وتشعبت بهم الطرق واختلفت النحل (١)، وقد طعن الطاعنون على القرآن بالمجاز فزعموا أنه كذب لأن الجدار في قوله تعالى {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} لا يريد. والقوية في قوله تعالى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} لا تسأل وهذا ما نقضه ابن قتيبة لقوله الحاسم (٢).

"هذا ومن أشنع جهالاتهم على سوء نظرهم وقلة أفهامهم، ولو كان المجاز كذبًا، وكل فعل ينسب إلى غير الحيوان باطلًا، كان أكثر كلامنا فاسدًا، لأنا نقول نبت البقل، وطالت الشجرة وأينعت الثمرة وأقام الجبل ورخص السعر، ونقول كان هذا الفعل منك في وقت كذا وكذا والفعل لم يكن وإنما كوّن، وتقول كان الله وكان بمعنى حدث، والله عز وجل قبل كل شيء بلا غاية لم يحدث فيكون بعد أن لم يكن، والله تعالى يقول {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ} وإنما يعزم عليه، ويقول {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} وإنما يربح فيها، ويقول {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} وإنما كذب به، ولو قلنا للمنكر لقوله {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} كيف كنت أنت قائلًا في جدار رأيته على شفا انهيار، رأيت جدارًا ماذا؟ لم يجد بدًا من أن يقول جدارًا يهم أن ينقض، أو يكاد أن ينقض، أو يقارب أن ينقض، وأيا ما قال فقد جعله فاعلًا ولا أحسبه يصل إلى هذا المعنى في شيء من لغات العجم إلا بمثل هذه الألفاظ، وأنشدني السجستاني عن أبي عبيدة في مثل قول الله يريد أن ينقض:


(١) المشكل ص ٧٦.
(٢) المشكل ص ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>