يريد الرمح صدر أبي براء ... ويرغب عن دماء بني عقيل
وأنشد الفراء:
إن دهرا يلفّ شَمْلي بِجُمْلٍ ... لزمان يهم بالإحسان
والعرب تقول بأرض فلان شجر قد صاح أي طال، لما تبين الشجر للناظر بطوله، ودلّ على نقسه جعله كأنه صائح لأن الصائح يدل على نفسه بصوته ومثله قول العجاج:
كالكرم إذ نادى من الكافور.
ويقال: هنا شجر واعد إذا نوّر كأنه لما نور وعد أن يثمر، ونبات واعد، إذا أقبل بماء ونضرة".
هذا النصّ من حديث ابن قتيبة يعطي صورة أمينة لمذهبه المتبع كثيرًا هي النقاش، فهو إذ يوجز الاعتراض يوجز الردّ، ولكنه في الناحيتين معًا دقيق صائب لا يموه أو يلفق! فقد ذكر اعتراضهم على كذب المجاز واستشهادهم بالآيتين الكريمتين! واتبعهما بأمثلة من الحديث المتداول لا مجال لإنكارها مع خلوصها الصريح من الكذب فإذا تم له ذلك قَفَّى بأربعه أمثلة صريحة في المجاز من كتاب الله ليتبعها بسؤال مفحم للمنكر كيف يقول إذا رأى جدارًا على شفا انهيار، والإجابة الملزمة أن يجعل الجدار - فاعلًا مهما حوّر إجابته على نحو من الأنحاء! وبذلك يجهز بن قتيبة على كل اعتراض يقال فإذا اطمأن القارئ إلى منطقه الصريح شفعه بأمثلة معروفة من الشعر العربي تؤيد ما جاء بكتاب الله من المجاز فجعل الأسلوب العربي شعره ونثره موضع التدليل والتصويب! وهو ما ينحوه كل البيانيين من المفسرين على أن قوله في خلال ذلك "ولا أحسبه يصل إلى هذا المعنى في شيء من لغات العجم إلا بمثل هذه الألفاظ" قد يدلّ على أن المؤلف لم يلم بلغة العجم! وقد قيل أنه يعرف الفارسية، وهي إشارة تحمل منافذ مختلفة من الرأي فدع تحليلها إلى من يريد.