رَحْمَةِ رَبِّي} يعني مفاتيح رزقه، وقال تعالى. {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} أي من رزق.
وصنيعه هذا يدل على بصر وإحاطة، وأذكر أنه في مواضع أخرى من الكتاب، قد خصّ بعض الألفاظ القرآنية بفصول خاصة تختلف طولًا وقصرًا جمعها تحت عنوان (باب اللفظ الواحد للمعاني المختلفة) فتحدثه عن معاني القضاء، والهدى، والأمة، والعهد، والإلّ، والقنوت، والدين، والمولى، والضلال والإمام والصلاة والكتاب والسبب والحبل، والظلم، والبلاء، والرجس، والفتنة، والغرض والخيانة، والإسلام والإيمان والروح والوحي، والقرح والفتح والكريم والزوج والرؤية والمثل والضرب، والنسيان والصاعقة والأخذ والسلطان والبأس والخلق والرجم، والسعي، والمحصنات والمتاع والحساب والأمر، وذلك ما بين صفحتي ٢٩٤، ٣٤١ فكان ابن قتيبة بذلك أول من فكر في وضع معجم لمعاني الألفاظ القرآنية وهي فكرة يتولاها الآن مجمع اللغة العربية القاهري، وقارئ أمثال هذه الفصول يرى الشواهد اللائحة لتطور الكلمة من الحقيقة إلى المجاز وإذا استطعنا أن نهتدي إلى معجم تاريخي للألفاظ فإن أمثال هذا الصنيع مما يساعد ويعين.
وأنا بعد ذلك كله أجد في باب المجاز بعض الخلاف الواضح. بيني وبين صاحب المشكل، فقد كان منحاه الفقهي والكلامي يدعوه إلى كثير من التشدّد في تطبيق المجاز، حتى ليحكم بالحقيقة فيما المجاز به واضح ساطع، واستشهد بمثالين واضحين.
١ - قال ابن قتيبة: وأما تأولهم (١) في قوله عز وجل للسماء والأرض {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}.
أنه عبارة عن تكوينه لهما، وقوله لجهنم {هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} إخبار عن سعتها فمما يحوج إلى التعسف والتماس المخارج بالحيل الضعيفة