للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما ينفع من وجود ذلك في الآية والآيتين والمعنى والمعنيين، وسائر ما جاء في كتاب الله عز وجل من هذا الجنس وفي حديث رسول الله ممتنع عن مثل هذه التأويلات وما في نطق جهنم ونطق السماء والأرض من العجب، والله تعالى ينطق الجلود والأيدي والأرجل ويسخر الجبال والطير بالتسبيح، فقال {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَال مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ} وقال {يَاجِبَال أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْر} أي سبحن معه، وقال {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}.

وقال في جهنم {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} أي تنقطع غيظًا عليهم كما تقول فلان يتقد غيظا عليك أي ينشق؛ وروي في الحديث أنها تقول قط قط أي حسبي حسبي".

ثم قال ابن قتيبة (١) وبمثل هذا النظر أنكروا عذاب القبر ومساءلة الملكين وحياة الشهداء عند ربهم يرزقون وأنكروا إصابة العين، ونفع الرقي والعوذ وعزيف الجنان وتخبط الشيطان وتغول الغيلان ... الخ".

هذه وجهة نظر المؤلف، وأنا أقول في الردّ عليه إن كتاب "تأويل مشكل القرآن" ينهض على فكرة راسخة هي إن القرآن قد نزل بأساليب العرب، فحاكى أوجه كلامهم في الحديث ومنازعهم في تشقق الكلام، والذين يذهبون مذهب المجاز في {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}، {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} علماء أدباء يحذقون لغة العرب ويستشهدون لما يقولون بمثل قول الشاعر (٢) على لسان الناقة:

تقول إذا درأت لها وضيني ... أهذا دينه أبدًا وديني

أكل الدهر حل وارتحال ... أما يبقى عليّ ولا يقيني


(١) المشكل ص ٨٥.
(٢) المشكل ص ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>