هـ- ويرى أنهم بادعائهم أن لله يدًا ليست كأيدينا، ووجهًا ليس كوجهنا، وعينًا ليست كعيوننا، إنما يخرج اللفظ عن ظاهره لأن ظواهر الألفاظ في دلالتها على الأيدي المحسوسة، والعين المحسوسة، فصرفها من المحسوس إلى غيره تأويل وتفسير.
وننتهي من هذا إلى أن ابن الجوزي يرى أنه إذا أطلقت هذه الألفاظ على غير المعاني المحسوسة سواء أكانت المعاني معلومة أم كانت مجهولة، فإنها قد استعملت في غير ظاهرها ولا تكون مستعملة في ظواهرها.
وإن ابن الجوزي بهذا ينفي أن يكون مذهب السلف هو الأخذ بظواهر الألفاظ، ولكن ابن تيمية ومن نهج منهاجه يرون أن ذلك هو مذهب السلف، وذلك لأنه يرى أن العبارات المروية عن الأئمة الأعلام هي إلى التفويض أقرب منها إلى التفسير، فالإمام مالك يروي عنه أنه قال في قوله تعالى:
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه: ٥].
"الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".
وهذه الكلمة تدل على التوقف، وأنه يرى الأخذ بكون الاستواء معلومًا ولكن الكيف هو المجهول.
وقد روي عن الإمام أحمد أنه لما سئل عن أحاديث النزول والرؤية ووضع القدم، قال:"نؤمن بها ولا كيف".
ولقد روى الخلال في سنده عن الإمام أحمد أنهم سألوه عن الاستواء فقال:"استوى على العرش كيف شاء، وكما شاء وبلا حد ولا صفة يبلغها واصف".
وهذا بلا شك تفويض وتنزيه، ولكن ليس فيه تخريج للفظ على الظاهر، ولا غير الظاهر.