للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرى أن هذه الآية إنما تتحدث عن مرحلة خاصة، وهي ما بين نفختي الصور المشار إليهما بقول الله تعالى في سورة الزمر: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨)} [الزمر: ٦٨] فالألف سنة هي ما بين النفختين.

والعجيب أنه ينقل هذا عن المفسرين كما يقول، ولم يذكر لنا المفسر الذي نقل عنه، ولا التفسير الذي نقل منه. ويرجح هذا القول معللًا له بتعليلات عقلية كما يقول.

وهذه عبارته، (وحيث إن العقل يقضي بأن العالم الحي من العباد، ينقطع تدبيرهم وتصريفهم لشؤونهم بين النفختين؛ لأنهم يكونون وقتئذٍ أمواتًا فلا تكون لهم شؤون تصرف، وأن العالم غير الحي من سماوات وأرضين، مسخر ولا ينقطع تدبير وتصريف أمره ما دام في الوجود، بل إنه يكون مستمرًا في صورة هدم كيانه وبنائه من جديد بعد النفخة الأولى، فلهذه الأسباب يرجح لدينا أن المقصود من قوله تعالى: {ثُمَّ يَعْرُجُ .... }. إلى آخر الآية هو انقطاع وتوقف تدبير الخلق العاقل لشؤونهم، في الفترة بين النفختين حيث يكونون أمواتًا، وأن فترة هذا التوقف التي قدرها الله بألف سنة من سني الدُّنيا، هي مقدار الزمن بين النفختين) (١). وما ذكره المؤلف بعيد كلّ البعد، عما تشير إليه الآية - والله أعلم بمراده - لا لأنه مخالف لما ذكره المفسرون، فإن الله ييسر فهم كتابه لمن شاء وربما يصل المتأخر إلى مكنون آية غفل عنه المتقدم، ولكن لأن ما ذكره مخالف للسياق والمأثور. فسياق الآية أولًا، لا يشير من قريب أو بعيد إلى أن هذا العروج، وذلك اليوم إنما هو بين النفختين، بل على العكس من ذلك. إن سياق الآيات في شؤون هذه الحياة من تدبير الله أمر هذا الخلق، وهو ما يدل على عظمة الخالق، وأما المأثور فقد ورد في صحيح الإمام مسلم -رضي الله عنه - عن أبي هريرة - رضي


(١) المرجع السابق ص ١٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>